فلا بد من الكلام على البسملة وربما يقع الكلام على بعض آية من سورة البقرة آيتين أو ثلاث خاصة تبركا بكلام الحق سبحانه ثم نسوق الأبواب إن شاء الله تعالى فأقول إنه لما قدمنا إن الأسماء الإلهية سبب وجود العالم وإنها المسلطة عليه والمؤثرة لذلك كان بسم الله الرحمن الرحيم عندنا خبر ابتداء مضمر وهو ابتداء العالم وظهوره كأنه يقول ظهور العالم بسم الله الرحمن الرحيم أي باسم الله الرحمن الرحيم ظهر العالم واختص الثلاثة الأسماء لأن الحقائق تعطي ذلك فالله هو الاسم الجامع للأسماء كلها والرحمن صفة عامة فهو رحمن الدنيا والآخرة بها رحم كل شئ من العالم في الدنيا ولما كانت الرحمة في الآخرة لا تختص إلا بقبضة السعادة فإنها تنفرد عن أختها وكانت في الدنيا ممتزجة يولد كافرا ويموت مؤمنا أي ينشأ كافرا في عالم الشهادة وبالعكس وتارة وتارة وبعض العالم تميز بإحدى القبضتين بأخبار صادق فجاء الاسم الرحيم مختصا بالدار الآخرة لكل من آمن وتم العالم بهذه الثلاثة الأسماء جملة في الاسم الله وتفصيلا في الإسمين الرحمن الرحيم فتحقق ما ذكرناه فإني أريد أن أدخل إلى ما في طي البسملة والفاتحة من بعض الأسرار كما شرطناه فلنبين ونقول بسم بالباء ظهر الوجود وبالنقطة تميز العابد من المعبود قيل للشبلي رضي الله عنه أنت الشبلي فقال أنا النقطة التي تحت الباء وهو قولنا النقطة للتمييز وهو وجود العبد بما تقتضيه حقيقة العبودية وكان الشيخ أبو مدين رحمه الله يقول ما رأيت شيئا إلا رأيت الباء عليه مكتوبة فالباء المصاحبة للموجودات من حضرة الحق في مقام الجمع والوجود أي بي قام كل شئ وظهر وهي من عالم الشهادة هذه الباء بدل من همزة الوصل التي كانت في الاسم قبل دخول الباء واحتيج إليها إذ لا ينطق بساكن فجلبت الهمزة المعبر عنها بالقدرة محركة عبارة عن الوجود ليتوصل بها إلى النطق الذي هو الإيجاد من إبداع وخلق بالساكن الذي هو العدم وهو أوان وجود المحدث بعد أن لم يكن وهو السين فدخل في الملك بالميم ألست بربكم قالوا بلي فصارت الباء بدلا من همزة الوصل أعني القدرة الأزلية وصارت حركة الباء لحركة الهمزة الذي هو الإيجاد ووقع الفرق بين الباء والألف الواصلة فإن الألف تعطي الذات والباء تعطي الصفة ولذلك كانت لعين الإيجاد أحق من الألف بالنقطة التي تحتها وهي الموجودات فصار في الباء الأنواع الثلاثة شكل الباء والنقطة والحركة العوالم الثلاثة فكما في العالم الوسط توهم ما كذلك في نقطة الباء فالباء ملكوتية والنقطة جبروتية والحركة شهادية ملكية والألف المحذوفة التي هي بدل منها هي حقيقة القائم بالكل تعالى واحتجب رحمة منه بالنقطة التي تحت الباء وعلى هذا الحد تأخذ كل مسألة في هذا الباب مستوفاة بطريق الإيجاز فبسم والم واحد ثم وجدنا الألف من بسم قد ظهرت في اقرأ باسم ربك وباسم الله مجراها بين الباء والسين ولم تظهر بين السين والميم فلو لم تظهر في باسم السفينة ما جرت السفينة ولو لم تظهر في اقرأ باسم ربك ما علم المثل حقيقته ولا رأى صورته فتيقظ من سنة الغفلة وانتبه فلما كثر استعمالها في أوائل السور حذفت لوجود المثل مقامه في الخطاب وهو الباء فصار المثل مرآة للسين فصار السين مثالا وعلى هذا الترتيب نظام التركيب وإنما لم تظهر بين السين والميم وهو محل التغيير وصفات الأفعال أن لو ظهرت لزال السين والميم إذ ليسوا بصفة لازمة للقديم مثل الباء فكان خفاؤه عنهم رحمة بهم إذ كان سبب بقاء وجودهم وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا وهو الرسول فهذه الباء والسين والميم العالم كله ثم عمل الباء في الميم الخفض من طريق الشبه بالحدوث إذ الميم مقام الملك وهو العبودية وخفضتها الباء عرفتها بنفسها وأوقفتها على حقيقتها فمهما وجدت الباء وجدت الميم في مقام الإسلام فإن زالت الباء يوما ما لسبب طارئ وهو ترقي الميم إلى مقام الايمان فتح في عالم الجبروت بسبح وأشباهه فأمر بتنزيه المحل لتجلى المثل فقيل له سبح اسم ربك الأعلى الذي هو مغذيك بالمواد الإلهية فهو ربك بفتح الميم وجاءت الألف ظاهرة وزالت الباء لأن الأمر توجه عليها بالتسبيح ولا طاقة لها على ذلك والباء محدثة مثلها والمحدث من باب الحقائق لا فعل له ولا بد لها من امتثال الأمر فلا بد من ظهور الألف الذي هو الفاعل القديم فلما ظهر فعلت القدرة في الميم التسبيح فسبح كما أمر وقيل له الأعلى لأنه مع الباء في الأسفل وفي هذا المقام في الوسط ولا يسبح المسبح مثله ولا من هو دونه فلا بد أن يكون المسبح أعلى ولو كنا في تفسير سورة سبح اسم ربك الأعلى لأظهرنا أسرارها فلا يزال في هذا المقام حتى يتنزه في نفسه فإن من ينزهه منزه فإنه منزه عن تنزيهه فلا بد من هذا التنزيه أن يعود
(١٠٢)