رب العالمين الرحمن الرحيم) أثبت بقوله عندنا وفي قلوبنا رب العالمين حضرة الربوبية وهذا مقام العارف ورسوخ قدم النفس وهو موضع الصفة فإن قولنا لله ذاتية المشهد عالية المتحد ثم أتبعه بقوله رب العالمين أي مريهم ومغذيهم والعالمين عبارة عن كل ما سوى الله والتربية تنقسم قسمين تربية بواسطة وبغير واسطة فأما الكلمة فلا يتصور واسطة في حقه ألبتة وأما من دونه فلا بد من الواسطة ثم تنقسم التربية قسمين التي بالواسطة خاصة قسم محمود وقسم مذموم ومن القديم تعالى إلى النفس والنفس داخلة في الحد ما ثم إلا محدود خاصة وأما المذموم والمحمود فمن النفس إلى عالم الحس فكانت النفس محلا قابلا لوجود التغيير والتطهير فنقول إن الله تعالى لما أوجد الكلمة المعبر عنها بالروح الكلي إيجاد إبداع أوجدها في مقام الجهل ومحل السلب أي أعماه عن رؤية نفسه فبقي لا يعرف من أين صدر ولا كيف صدر وكان الغذاء فيه الذي هو سبب حياته وبقائه وهو لا يعلم فحرك الله همته لطلب ما عنده وهو لا يدري أنه عنده فأخذ في الرحلة بهمته فأشهده الحق تعالى ذاته فسكن وعرف أن الذي طلب لم يزل موصوفا قال إبراهيم بن مسعود الإلبيري قد يرحل المرء لمطلوبه * والسبب المطلوب في الراحل وعلم ما أودع الله فيه من الأسرار والحكم وتحقق عنده حدوثه وعرف ذاته معرفة إحاطية فكانت تلك المعرفة له غذاء معينا يتقوت به وتدوم حياته إلى غير نهاية فقال له عند ذلك التجلي الأقدس ما اسمي عندك فقال أنت ربي فلم يعرفه إلا في حضرة الربوبية وتفرد القديم بالألوهية فإنه لا يعرفه إلا هو فقال له سبحانه أنت مربوبي وأنا ربك أعطيتك أسمائي وصفاتي فمن رآك رآني ومن أطاعك أطاعني ومن علمك علمني ومن جهلك جهلني فغاية من دونك أن يتوصلوا إلى معرفة نفوسهم منك وغاية معرفتهم بك العلم بوجودك لا بكيفيتك كذلك أنت معي لا نتعدى معرفة نفسك ولا ترى غيرك ولا يحصل لك العلم بي إلا من حيث الوجود ولو أحطت علما بي لكنت أنت أنا ولكنت محاطا لك وكانت أنيتي أنيتك وليست أنيتك أنيتي فأمدك بالأسرار الإلهية وأربيك بها فتجدها مجعولة فيك فتعرفها وقد حجبتك عن معرفة كيفية إمدادي لك بها إذ لا طاقة لك بحمل مشاهدتها إذ لو عرفتها لاتحدت الإنية واتحاد الإنية محال فمشاهدتك لذلك محال هل ترجع إنية المركب إنية البسيط لا سبيل إلى قلب الحقائق فاعلم إن من دونك في حكم التبعية لك كما أنت في حكم التبعية لي فأنت ثوبي وأنت ردائي وأنت غطائي فقال له الروح ربي سمعتك تذكران لي ملكا فأين هو فاستخرج له النفس منه وهي المفعول عن الانبعاث فقال هذا بعضي وأنا كله كما أنا منك ولست مني قال صدقت يا روحي قال بك نطقت يا ربي إنك ربيتني وحجبت عني سر الإمداد والتربية وانفردت أنت به فاجعل إمدادي محجوبا عن هذا الملك حتى يجهلني كما جهلتك فخلق في النفس صفة القبول والافتقار ووزر العقل إلى الروح المقدس ثم أطلع الروح على النفس فقال لها من أنا قالت ربي بك حياتي وبك بقائي فتاه الروح بملكه وقام فيه مقام ربه فيه وتخيل أن ذلك هو نفس الإمداد فأراد الحق أن يعرفه أن الأمر على خلاف ما تخيل وأنه لو أعطاه سر الإمداد كما سأل لما انفردت الألوهية عنه بشئ ولا تحدت إلا نية فلما أراد ذلك خلق الهوى في مقابلته وخلق الشهوة في مقابلة العقل ووزرها للهوى وجعل في النفس صورة القبول لجميع الواردات عموما فحصلت النفس بين ربين قويين لهما وزيران عظيمان وما زال هذا يناديها وهذا يناديها والكل من عند الله قال تعالى قل كل من عند الله وكلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك ولهذا كانت النفس محل التغيير والتطهير قال تعالى فألهما فجورها وتقواها في أثر قوله ونفس وما سواها فإن أجابت منادي الهوى كان التغيير وإن أجابت منادي الروح كان التطهير شرعا وتوحيدا فلما رأى الروح ينادي ولا يسمع مجيبا فقال ما منع ملكي من إجابتي قال له الوزير في مقابلتك ملك مطاع عظيم السلطان يسمى الهوى عطيته معجلة له الدنيا بحذافيرها فبسط لها حضرته ودعاها فأجابته فرجع الروح بالشكوى إلى الله تعالى فثبتت عبوديته وذلك كان المراد وتنزلت الأرباب والمربوبون كل واحد على حسب مقامه وقدره فعالم الشهادة المنفصل ربهم عالم الخطاب وعالم الشهادة المتصل ربهم عالم الجبروت وعالم الجبروت ربهم عالم الملكوت وعالم الملكوت ربهم الكلمة والكلمة ربها
(١١٣)