ولم يكن لهم أمر إلهي بالتقدم فما ورد عليهم فيلزمهم طاعته لما هم عليه من التحقق أيضا بالعبودية فيكونون قائمين به في مقام العبودية بامتثال أمر سيدهم وأما مع التخيير والعرض أو طلب تحصيل المقام فإنه لا يظهر به إلا من لم يتحقق بالعبودة التي خلق لها فهذا يا ولي قد عرفتك في هذا الباب بمقاماتهم وبقي التعريف بأصولهم وتعيين أحوال الأقطاب المدبرين من الطبقة الثانية منهم نذكر ذلك فيما بعد إن شاء الله والله يقول الحق وهو يهدي السبيل لا رب غيره (الباب الحادي والثلاثون في معرفة أصول الركبان) حدب الدهر علينا وحنا * ومضى في حكمه وما ونى وعشقناه فغنينا عسى * يطرب الدهر بإيقاع الغنا نحن حكمناك في أنفسنا * فاحكم إن شئت علينا أو لنا ولقد كان له الحكم وما * كان ذاك الحكم للدهر بنا فشفيعي هو دهري والذي * صرف الدهر كذا صرفنا فركبنا نطلب الأصل الذي * جعل السر لدينا علنا فلنا منه الذي حركنا * وله منا الذي سكننا حركات الدهر فينا شهدت * أنه قال له ما سكنا فإنا العبد الذليل المجتبى * وأنا حق وما الحق أنا اعلم أيدك الله أن الأصول التي اعتمد عليها الركبان كثيرة منها التبري من الحركة إذا أقيموا فيها فلهذا ركبوا فهم الساكنون على مراكبهم المتحركون بتحريك مراكبهم فهم يقطعون ما أمروا بقطعه بغيرهم لا بهم فيصلون مستريحين مما تعطيه مشقة الحركة متبرئين من الدعوى التي تعطيها الحركة حتى لو افتخروا بقطع المسافات البعيدة في الزمان القليل لكان ذلك الفخر راجعا للمركب الذي قطع بهم تلك المسافة لا لهم فلهم التبري وما لهم الدعوى فهجيرهم لا حول ولا قوة إلا بالله وآيتهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى يقال لهم وما قطعتم هذه المسافات حين قطعتموها ولكن الركاب قطعتها فهم المحمولون فليس للعبد صولة لا بسلطان سيده وله الذلة والعجز والمهانة والضعف من نفسه ولما رأوا أن الله قد نبه بقوله تعالى وله ما سكن فأخلصه له علموا إن الحركة فيها الدعوى وأن السكون لا تشوبه دعوى فإنه نفي الحركة فقالوا إن الله قد أمرنا بقطع هذه المسافة المعنوية وجوب هذه المفاوز المهلكة إليه فإن نحن قطعناها بنفوسنا لم نأمن على نفوسنا من أن نتمدح بذلك في حضرة الاتصال فإنها مجبولة على الرعونة وطلب التقدم وحب الفخر فنكون من أهل النقص في ذلك المقام بقدر ما ينبغي أن نحترم به ذلك الجلال الأعظم فلنتخذ ركابا نقطع به فإن أرادت الافتخار يكون الافتخار للركاب لا للنفوس فاتخذت من لا حول ولا قوة إلا بالله نجبا لما كانت النجب أصبر عن الماء والعلف من الأفراس وغيرها والطريق معطشة جدبة يهلك فيها من المراكب من ليس له مرتبة النجب فلهذا اتخذوها نجبا دون غيرها مما يصح أن يركب ولا يصح أن يقطع ذلك الحمد لله فإن هذا الذكر من خصائص الوصول ولا سبحان الله فإنه من خصائص التجلي ولا لا إله إلا الله فإنه من خصائص الدعاوي ولا الله أكبر فإنه من خصائص المفاضلة فتعين لا حول ولا قوة إلا بالله فإنه من خصائص الأعمال فعلا وقولا ظاهرا وباطنا لأنهم بالأعمال أمروا والسفر عمل قلبا وبدنا ومعنى وحسا وذلك مخصوص بلا حول ولا قوة إلا بالله فإنه بها يقولون لا إله إلا الله وبها نقول سبحان الله وغير ذلك من جميع الأقوال والأعمال ولما كان السكون عدم الحركة والعدم أصلهم لأنه قوله وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا يريد موجودا فاختاروا السكون على الحركة وهو الإقامة على الأصل فنبه سبحانه وتعالى في قوله وله ما سكن في الليل والنهار أن الخلق سلموا له العدم وادعوا له في الوجود فمن باب الحقائق عرى الحق خلقه في هذه الآية عن إضافة ما ادعوه لأنفسهم بقوله وله ما سكن في الليل والنهار أي ما ثبت والثبوت أمر وجودي عقلي لا عيني بل نسبي وهو السميع العليم يسمع
(٢٠٢)