تعتبر فيها الأهلة أعني مواقيت الأهلة والحج فعل مضاف مخصوص معين يفعله الإنسان كسائر أفعاله في بيوعه ومدائناته فاعتنى بذكر هذه الأفعال المخصوصة لأنها أفعال مخصوصة لله عز وجل بالقصد ليس للعبد فيها منفعة دنيوية إلا القليل من الرياضة البدنية ولهذا تميز حكم الحج عن سائر العبادات في أغلب أحواله وأفعاله في التعليل فأكثره تعبد محض لا يعقل له معنى عند الفقهاء فكان بذاته عين الحكمة ما وضع لحكمة موجبة وفيه أجر لا يكون في غيره من العبادات وتجل إلهي لا يكون في غيره من الأعمال فكان الهلال في أول شهر الوقوف بمنزلة الواحد من العدد وتجلى الهلال في أول ليلة فيه تجلى الحق في العبد بالإيمان الذي هو أول مطلوب بالشرع من الإنسان المكلف والايمان روح وجسمه صورة التلفظ بلا إله إلا الله وهي الشهادة بالتوحيد وكذلك نشهد أول ليلة الهلال ثم لا يزال يعظم التجلي في بسائط العدد إلى أن ينتهي إلى ليلة التاسع وهي آخر ليلة بسائط العدد التي هي آحاده فكمل تجليه في آحاد بسائط العدد فكان الوقوف بعرفة يوم التاسع فحصلت له معرفة الله تعالى بكمال البسائط ولهذا قابلها ودخل فيها بالتجريد عن المخيط وهو التركيب أ لا تراه يلبس في اليوم العاشر المخيط لأنه انتقل من الآحاد إلى أول العقد وهي العشرة والعقد لا يكون إلا بين اثنين بضم الواحد إلى الآخر بصورة العطف والالتفاف وهو على قسمين أعني العقد وهو أنشوطة وغير أنشوطة فعقد الأنشوطة يسرع إليه الانحلال فيما عهد إليه وعاهد عليه الله وغير الأنشوطة لا يسرع إليه الانحلال وبقي بعد التسعة من أفعال الحج ثلاثة وهو فعل المزدلفة ومنى وطواف الإفاضة والفعل المختص بالمزدلفة إنما هو من أول الفجر إلى طلوع الشمس وليس المبيت في المزدلفة خاصا بها لأنها ليلة عرفة والمزدلفة لا ليلة لها ولها المبيت لا الليلة كليلة سودة بنت زمعة الليلة لها والمبيت لعائشة فلسودة ليلة بلا مبيت ولعائشة مبيت ليلة سودة لا ليلتها ولهذا كانت تلك الليلة تضاف إلى سودة بالذكر كذلك بقي من مراتب العدد ثلاثة بعد التاسع وهي العشرة والمائة والألف وما بقي للعدد مرتبة سوى ما ذكرته كذلك ليس بعد طواف الإفاضة عمل للحاج في الحج يحرم عليه به شئ هو له حلال فإنه به أحل الحل كله وليس بعده لغير المكي إلا طواف الوداع لأنه ودع مراتب العدد وبقي التركيب فيه إلى ما لا نهاية له فهذه اثنتا عشرة مرتبة قد حصلها العبد في التجليات الكمالية العددية ودخل في الليلة الثالث عشرة الهلال في الكمال وهي من الليالي البيض المرغب في صومها كأيام التشريق المرغب في فطرها التي يصومها المتمتع الأفاقي وانتهى نصف الشهر الذي يتضمن السلوك منه بالخروج إلينا وإياه سبحانه نقصد ثم نشرع في النصف الثاني من الشهر في السلوك إليه منا إلى أن ينتهي إلى ليلة السرار وهو الكمال الغيبي كما كان في النصف الكمال الشهادي فكمل غيبا وشهادة ودار الدور بإهلال ثان وحكم آخر دنيا وآخرة فإنه قال في وصف الجنة لهم رزقهم فيها بكرة وعشيا فجعلها محلا للزمان المعروف عند العرب مثل الدنيا فالحاج في الحج يجني ثمرة الزمان وما يحوي عليه من المعارف الإلهية المختصة بشهر ذي حجة ويجني ثمرة العدد في المعارف الإلهية لأن العدد له حكم فيها ألا تراه قد قال واذكروا الله في أيام معدودات وقال إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحد فدخل تحت حكم العدد بأسماء مخصوصة وقال إن الله ثلاثمائة خلق فأدخل الأخلاق الإلهية تحت حكم العدد فله سلطان في الإلهيات ذكرا واسما وخلقا فمن لم يقف عليه حرم خيرا كثيرا من المعرفة بالله ولذلك قدمنا في هذا الباب وجود الآحاد في الكثرة والكثرة في الآحاد وهو العدد فهو المعطي الفائدة للعادين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين كما قال فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون فألحقهم بالعلماء كذلك الحج هو المعطي ما يحوي عليه من المعارف الإلهية للحاج فلهذا أضيف الميقات للحج في الهلال وما أضيف للحاج كما أضيف للناس وجعلها مواقيت لما ذكرناه فإن الفعل ينتهي فيه إلى نصف الشهر وهو تمام وكمال في نفس الأمر فإن النصف لا يؤذن بالنقص لكونه نصفا ولو كان نقصا لكان الذي حصل له متصفا في تحصيله بالنقص لأنه ما حصل له النصف الآخر بل لو حصل له النصف الآخر لكان نقصا حصوله قال تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي فظهر كمال الحق في تحصيل النصف من الصلاة ولو اتصف بتحصيل النصف الثاني لكان نقصا فيما ينبغي لله من الكمال وظهر كمال العبد في تحصيل النصف من الصلاة ولو اتصف بتحصيل النصف الآخر لكان نقصا في كمال عبوديته وفيما ينبغي له من الكمال فيها فكان يوصف
(٧٢٤)