تعالى شهر رمضان ولم يقل رمضان وقال فمن شهد منكم الشهر ولم يقل رمضان فتقوى بهذا حديث أبي معشر مع قول العلماء فيه إنه يكتب حديثه مع ضعفه فزاد قوة في هذا الحديث بما أيده القرآن من ذلك فما فرض الله الصوم الذي لا مثل له ابتداء إلا في شهر سماه سبحانه باسم من أسمائه في مثل له في الشهور لأنه ليس في أسماء شهور السنة من له اسم تسمى الله به إلا رمضان فجاء باسم خاص اختص به معين وليس كذلك في إضافة رجب يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيه إنه شهر الله المحرم فالكل شهور الله وما نعته هنا إلا بالمحرم وهو أحد الشهور الحرم ثم إن الله تعالى أنزل القرآن في هذا الشهر في أفضل ليلة تسمى ليلة القدر فأنزله فيه هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان من كونه رمضان وأما من كونه ليلة القدر فأنزله كتابا مبينا أي بينا أنه كتاب وبين كون الشئ كتابا وقرآنا وفرقانا مراتب متميزة يعلمها العالمون بالله فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقال رمضان لقوله ليس كمثله شئ فلو قيل لكان مثلا في هذا الاسم فأضاف لفظ الشهر إليه حتى تنتفي عنه المثلية في الشهور خاصة ويبقى ليس كمثله شئ على رتبته من كل وجه و قد فرض الله صومه وندب إلى قيامه وهو يتضمن صوما وفطرا لأنه يتضمن ليلا ونهارا واسم رمضان ينطلق عليه في حال الصوم والإفطار حتى يتميز من رمضان الذي هو اسم الله تعالى فإن الله تعالى له الصوم الذي لا يقبل الفطر ولنا الصوم الذي يقبل الفطر وينتهي إلى حد وهو إدبار النهار وإقبال الليل وغروب الشمس فكان إطلاقه على الحق لا يشبه إطلاقه على الخلق وندب إلى القيام في ليلة لتجليه تعالى يوم يقوم الناس لرب العالمين وإن كان التجلي لله في كل ليلة من السنة ولكن تجليه في رمضان في زمان فطر الصائمين ما هو مثل تجليه للمفطر من غير صوم لأن هذا وجود فطر عن ترك مشروع موصوف بأنه لا مثل له وذلك الآخر لا يسمى مفطرا بل يسمى آكلا إذا كان الفطر الشق فهذا الأكل للصائم شق أمعائه بالطعام والشراب بعد سدها بالصوم حيث قال سدوا مجاريه بالجوع والعطش وكان القيام بالليل لأن القيام نتيجة قوة في المحل وسبب قوي المحل الغذاء وكان بالليل لمناسبة الغيب فإن القوة عن الغذاء غيب غير محسوس إنتاج القوة عن الغذاء ولما شمل رمضان الصوم والفطر والقيام وعدم القيام لذلك ورد في الخبر لا يقولن أحدكم إني قمت رمضان كله وصمته قال الراوي فلا أدري أكره التزكية أو قال لا بد من نومة أو رقدة فجعل الاستثناء في قيام ليله لا في صوم نهاره خرج هذا الحديث أبو داود عن أبي بكرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالفطر هنا هو الإدبار والإقبال والغروب سواء أكل أو لم يأكل فصوم شهر رمضان واجب على كل إنسان مسلم بالغ عاقل صحيح مقيم غير مسافر وهو عين هذا الزمان المعلوم المشهور المعين من الشهور الاثني عشر شهرا الذي بين شعبان وشوال والمعين من هذا الزمان صوم الأيام دون الليالي وحد يوم الصوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فهذا هو حد اليوم المشروع للصوم لا حد اليوم المعروف بالنهار فإن ذلك من طلوع الشمس إلى غروبها ولما اتصف من ليس كمثله شئ بالأول والآخر كذلك وصف الصوم الذي لا مثل له بأول وآخر فأوله الطلوع الفجري وآخره الغروب الشمسي فلم يجعل أوله يشبه آخره لأنه اعتبر في أوله ما لم يعتبر في آخريته مما هو موجود في آخريته موصوف فيه الصائم بالإفطار وفي أوليته موصوف فيه بالصوم ولا فرق بين الشفق في الغروب والطلوع من حين الغروب إلى حين مغيب الشفق أو من حين الانفجار إلى طلوع الشمس ولهذا عدل الشرع إلى لفظة الفجر لأن حكم انفجاره لوجود النهار حكم غروب الشمس لإقبال الليل وحصوله فكما علم بانفجار الصبح إقبال النهار وإن لم تطلع الشمس كذلك عرفنا بغروب الشمس إقبال الليل وإن لم يغرب الشفق فانظر ما أحكم وضع الشريعة في العالم فالجامع بين الأول والآخر في الصوم وجود العلامة على إقبال زمان الصوم وزمان الفطر وهو إدبار النهار كما إن بالفجر إدبار الليل فرمضان أعم من صيامه وسيأتي الكلام على الوصال في موضعه وهل صاحبه يسمى صائما أم لا وبعد أن ذكرنا تحديد يوم الصوم سواء كان في شهر رمضان أو في غيره فلننظر في تحديد الشهر فأقل مسمى الشهر تسعة وعشرون يوما وأكثره ثلاثون يوما هذا هو الشهر العربي القمري خاصة الذي كلفنا إن نعرفه وشهود العادين بالعلامة أيضا لكن أصحاب العلامة يجعلون شهرا تسعة وعشرين وشهرا ثلاثين والشرع تعبدنا في ذلك برؤية الهلال وفي الغيم بأكبر المقدارين إلا في شعبان
(٦٠٥)