موضعه أو يصل موضعه إن شاء الله (فلنرجع ونقول) إن المرتبة السبعية التي لها الزاي والألف واللام جعلناها للحضرة الإلهية المكلفة أي تصيبها من الحروف وإن المرتبة الثمانية التي هي النون والصاد والضاد جعلناها حظ الإنسان من عالم الحروف وإن المرتبة التسعية التي هي العين والغين والسين والشين جعلناها حظ الجن من عالم الحروف وإن المرتبة العشرية وهي المرتبة الثانية من المراتب الأربعة التي هي باقي الحروف جعلناها حظ الملائكة من عالم الحروف وإنما جعلنا هذه الموجودات الأربعة لهذه الأربع مراتب من الحروف على هذا التقسيم لحقائق عسرة المدرك يحتاج ذكرها وبيانها إلى ديوان بنفسه ولكن قد ذكرناه حتى نتمه في كتاب المبادي والغايات فيما تحوي عليه حروف المعجم من العجائب والآيات وهو بين أيدينا ما كمل ولا قيد منه إلا أوراق متفرقة يسيرة ولكن سأذكر منه في هذا الباب لمحة بارق إن شاء الله فحصلت الأربعة للجن الناري لحقائق هم عليها وهي التي أدتهم لقولهم فيما أخبر الحق تعالى عنهم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم وفرغت حقائقهم ولم تبق لهم حقيقة خامسة يطلبون بها مرتبة زائدة وإياك أن تعتقد أن ذلك جائز لهم وهو أن يكون لهم العلو وما يقابله اللذان تتم بهما الجهات الستة فإن الحقيقة تأبى ذلك على ما قررناه في كتاب المبادي والغايات وبينا فيه لم اختصوا بالعين والغين والسين والشين دون غيرها من الحروف والمناسبة التي بين هذه الحروف وبينهم وأنهم موجودون عن الأفلاك التي عنها وجدت هذه الحروف وحصل للحضرة الإلهية من هذه الحروف ثلاثة لحقائق هي عليها أيضا وهي الذات والصفة والرابط بين الذات والصفة وهي القبول أي بها كان القبول لأن الصفة لها تعلق بالموصوف بها وبمتعلقها الحقيقي لها كالعلم يربط نفسه بالعالم به وبالمعلوم والإرادة تربط نفسها بالمريد بها وبالمراد لها والقدرة تربط نفسها بالقادر بها وبالمقدور لها وكذلك جميع الأوصاف والأسماء وإن كانت نسبا وكانت الحروف التي اختصت بها الألف والزاي واللام تدل على معنى نفي الأولية وهو الأزل وبسائط هذه الحروف واحدة في العدد فما أعجب الحقائق لمن وقف عليها فإنه يتنزه فيما يجهله الغير وتضيق صدور الجهلاء به وقد تكلمنا أيضا في المناسبة الجامعة بين هذه الحروف وبين الحضرة الإلهية في الكتاب المذكور وكذلك حصل للحضرة الإنسانية من هذه الحروف ثلاثة أيضا كما حصل للحضرة الإلهية فاتفقا في العدد غير أنها حرف النون والصاد والضاد ففارقت الحضرة الإلهية من جهة موادها فإن العبودية لا تشرك الربوبية في الحقائق التي بها يكون إلها كما إن بحقائقه يكون العبد مألوها وبما هو على الصورة اختص بثلاثة كهو فلو وقع الاشتراك في الحقائق لكان إلها واحدا أو عبدا واحدا أعني عينا واحدة وهذا لا يصح فلا بد أن تكون الحقائق متباينة ولو نسبت إلى عين واحدة ولهذا باينهم بقدمه كما باينوه بحدوثهم ولم يقل باينهم بعلمه كما باينوه بعلمهم فإن فلك العلم واحد قديما في القديم محدثا في المحدث واجتمعت الحضرتان في أن كل واحدة منهما معقولة من ثلاثة حقائق ذات وصفة ورابطة بين الصفة والموصوف بها غير أن العبد له ثلاثة أحوال حالة مع نفسه لا غير وهو الوقت الذي يكون فيه نائم القلب عن كل شئ وحالة مع الله وحالة مع العالم والباري سبحانه مباين لنا فيما ذكرناه فإن له حالين حال من أجله وحال من أجل خلقه وليس فوقه موجود فيكون له تعالى وصف تعلق به فهذا بحر آخر لو خضنا فيه لجاءت أمور لا يطاق سماعها وقد ذكرنا المناسبة التي بين النون والصاد والضاد التي للإنسان وبين الألف والزاي واللام التي هي للحضرة الإلهية في كتاب المبادي والغايات وإن كانت حروف الحضرة الإلهية عن سبعة أفلاك والإنسانية عن ثمانية أفلاك فإن هذا لا يقدح في المناسبة لتبين الإله والمألوه ثم إنه في نفس النون الرقمية التي هي شطر الفلك من العجائب ما لا يقدر على سماعها إلا من شد عليه مئزر التسليم وتحقق بروح الموت الذي لا يتصور ممن قام به اعتراض ولا تطلع وكذلك في نفس نقطة النون أول دلالة النون الروحانية المعقولة فوق شكل النون السفلية التي هي النصف من الدائرة والنقطة الموصولة بالنون المرقومة الموضوعة أول الشكل التي هي مركز الألف المعقولة التي بها يتميز قطر الدائرة والنقطة الأخيرة التي ينقطع بها شكل النون وينتهي بها هي رأس هذا الألف المعقولة المتوهمة فنقدر قيامها من رقدتها فترتكز لك على النون فيظهر من ذلك حرف اللام والنون نصفها زاي مع وجود الألف المذكور فتكون النون بهذا الاعتبار تعطيك الأزل الإنساني كما أعطاك الألف والزاي واللام في
(٥٣)