لانحفاظ النظام، وكون الثاني ذا مفسدة مخلة بالنظام فلذا توافقت آراء العقلاء الذين على عهدتهم حفظ النظام بايجاد موجباته واعدام موانعه على مدح فاعل ما ينحفظ به النظام وذم فاعل ما يخل به، والاقدام على العقاب اقدام على مالا يترتب الا في نشاة أخرى أجنبية عن انحفاظ النظام واختلاله.
نعم، نفس الفعل المذموم المعاقب عليه ذا مفسدة نوعية مخلة بالنظام، واما كونها داخلة في سلك البناءات العقلائية الغير المربوطة بالتحسين والتقبيح العقليين كالبناء على العمل بالخبر أو بالظاهر مثلا، ففيه ان تلك البناءات منبعثة عن حكمة نوعية (1) في نظر العقلاء تدعوهم إلى العمل بالخبر الثقة أو الظاهر أو نحوهما، ومن البين ان الاقدام على العقاب المقطوع أو المحتمل لا يترتب عليه الا ذلك الامر المقطوع أو المحتمل لا ان هناك مصلحة مترتبة على ترك الاقدام أو مفسدة مترتبة على نفس الاقدام زيادة على الامر المقطوع أو المحتمل حتى تبعث العقلاء على البناء على دفعه ليكون امضاء الشارع لهذا البناء مقتضيا لايجاب دفعه بحيث يترتب عليه عقاب اخر على الاقدام، والا فنفس ذلك الامر المقطوع أو المحتمل غير منوط ترتبة ببناء العقلاء على دفعه.
ومما ذكرنا تبين: ان قاعدة دفع الضرر ليست قاعدة عقلية ولا عقلائية بوجه من الوجوه، نعم، كل ذي شعور بالجبلة والطبع حيث إنه يحب نفسه يفر عما يؤذيه وهذا الفرار الجبلي أيضا ليس ملاكا لمسألة الاحتياط إذ الذي يحتاج إليه القائل بالاحتياط مجرد ترتب استحقاق العقاب لا التزام العقلاء بالفرار عنه مع فرض ثبوته في الواقع بل مجرد الوقوع في العقاب المترتب على مخالفة التكليف الواقعي كاف في مرامه هنا، فتدبر جيدا.
205 - قوله: واما ضرر غير العقوبة فهو وان كان محتملا (2) الخ:
تحقيق المقام ان الحكم العقلي المدعى في خصوص هذا الشق لا بد من أن يكون بملاك التحسين والتقبيح العقليين والا فمجرد الفرار عن المضرة الدنيوية