الاشتغال (1)، وإلا فلا يمكن أن يكون الإنشاء الواقعي باعثا ومحركا وداعيا وزاجرا وناهيا بما هو أمر واقعي، بل ولا بما هو ملتفت إليه من دون قيام الحجة عليه، إذ لا يكون الإنشاء المزبور بعثا على أي تقدير إلا بلحاظ باعثيته في أفق النفس، فما في أفق النفس هو الباعث بالذات، وما في الخارج باعث بالعرض، كالمعلوم بالذات والمعلوم بالعرض، ولا يعقل أن يكون ما في أفق النفس باعثا على أي تقدير إلا بوجوده العلمي التصديقي، ففرض جعل الإنشاء الخارجي داعيا على أي تقدير بوجوده النفساني هو فرض جعل وجوده العلمي التصديقي داعيا فإنه الداعي على أي تقدير، مضافا إلى أن الإنشاء المزبور لا يكون باعثا لزوميا في نفوس العامة إلا إذا كان بحيث يستحق عليه العقاب فكونه كذلك محقق لدعوته بنحو اللزوم.
ومنه علم أن مرتبة الفعلية والتنجز في مطلق الأحكام الحقيقية من النفسية والطريقية، واحدة.
ومنها: أن حقيقية العلم الإجمالي المصطلح عليه في هذا الفن لا تفارق العلم التفصيلي في حد العلمية، وليسا هما طوران من العلم، نظرا إلى تعلق العلم الإجمالي بالمردد أعني أحد الأمرين، بل ربما يبنى عليه إمكان تعلق الصفات الحقيقية بالمردد فضلا عن الاعتبارية، كما في كلمات أستادنا العلامة (2) - رفع الله مقامه - بل التحقيق أن طرف العلم ينكشف به تفصيلا لا مجال للتردد فيه بما هو طرف للعلم، إذ القائم بالنفس الذي به تشخص مقولة العلم أمر جزئي شخصي بحسب هذا الوجود، والمردد بما هو مردد لا ثبوت له ماهية ولا هوية، إذ كل ماهية لها نحو من التعين الماهوي الذي به يمتاز عن سائر الماهيات، وكل هوية بنفسها ممتازة عن سائر الهويات، كيف والوجود نفس التشخص والوحدة رفيق الوجود، تدور معه حيثما دار.
نعم، متعلق طرف العلم مجهول، أي غير معلوم، فلم يلزم تعلق صفة حقيقية ولا اعتبارية بالمردد، بل ضم الجهل إلى العلم صار سببا لهذا الاسم وإلا فالعلم