ومن العمل على طبق المظنونات بمعنى أن الشارع جعل احكامه فعلية منجزة بأحد الوجوه فأبطلنا الأول والثاني بمقتضى المقدمة الرابعة، وأبطلنا الثالث بمقتضى المقدمة الخامسة. فبقى الرابع فهو الحجة شرعا فيعلم أن الشارع جعل الاحتمال الراجح مبلغا لأحكام الواقعية إلى مرتبة الباعثية والزاجرية والتنجز، لما عرفت في ذيل المقدمة الخامسة أن الظن حيث لا يعقل أن يكون منجزا عقلا، إذ لا شأن للعقل إلا التعقل، ولا يكون منجزا عند العقلاء ليكون بناء عملي على اتباعه حتى يكون تقرير من الشارع ليدل على إمضائه.
وقد مر أن العقلاء ليس لهم حكم كبروي بنحو القضايا الحقيقية (1) حتى يتحقق منهم حكم، مع أنه على فرضه غير مفيد، إذ لا تقرير إلا للعمل لا للإنشاء الكلى الصادر من العقلاء، فلا محالة يكون الاحتمال الراجح منجزا شرعا، فتكون مقدمات الانسداد على هذا المبنى كاشفة عن كون الظن منجزا للواقعيات التي يتعلق بها شرعا. ومما ذكرنا تبين: أنه ليس هنا أمر واحد يقبل الكشف والحكومة، إذ القابل لهما كون الظن منجزا عقلا أو شرعا، والمفروض على الحكومة ليس كون الظن منجزا عقلا ليقال بجواز اجتزاء الشارع في مقام تنجيز واقعياته بالظن بحكم العقل بمنجزيته.
لما عرفت: أن الواقعيات منجزة بسبب العلم الاجمالي أو ايجاب الاحتياط الطريقي، وأنه لم يبق إلا حكم العقل بلزوم الامتثال أي استحقاق العقاب على مخالفة الواقع المنجز في المظنونات، ومثله غير قابل للتصرف الشرعي حتى يستكشف بالمقدمات، فالحجية بمعنى المنجزية ليست بحكم العقل وأثر الحجية وهو استحقاق العقاب على مخالفة التكليف المنجز لا مدخل للشارع فيه.