وكذا قد عرفت أن مقوم العلم الحقيقي هو التصديق الجدي القلبي.
وما ورد من أن أول الدين معرفة الله وكمال معرفته التصديق به (1) لا يراد منه الكمال في قبال النقص.
بل الكمال الأول الذي ينتفى ذو الكمال بانتفائه وهو مقوم الشئ وما به الشئ يكون شيئا، وما ورد في بعض الاخبار (2) في تفسير الايمان الذي هو فرض القلب من عطف الرضا والتسليم على اليقين والتصديق فهو بملاحظة أن الايمان ينقسم إلى علم وحال وعمل، والأولان من فرائض القلب والأخير من فرائض الجوارح.
فالعلم والمعرفة واليقين من معارف القلب والرضا والتسليم وشبههما المنبعث عن رسوخ العلم والمعرفة من أحوال القلب وملكاته، لا أن الايمان بلحاظ المقام الأول متقوم بالرضا والتسليم وأشباه ذلك.
وبالجملة حقيقة الايمان الذي هو هيئة نورانية يتجوهر بها جوهر النفس هو العلم والمعرفة واليقين ولهذه الصفة مراتب:
أحديها: العلم التصديقي الحاصل للمقلد لمكان علمه بصدق مقلده فهو ما لم يشك عليه قاطع غير محتمل للخلاف إلا أنه غير منشرح الصدر بنور المعرفة حقيقة، لعدم حصول العلم له من طريق البرهان ولا من طريق الشهود والعيان المقلد بما هو مقلد غير عارف.
وليس على حد التقليد في الفروع ليكون له قياس برهاني يدل على ثبوت الحكم الفعلي في حقه ليقال بأنه عالم بهذا الحكم الفعلي حقيقة.
إذ ليس في باب المبدء والمعاد ثبوت تعبدي بل للمعارف ثبوت واقعي تعرف تارة وتجهل أخرى، وحال المقلد فيها حال من يعتمد على طبيب حاذق فإنه من باب القطع بحذاقته وإن كان يعتقد أن ما وصفه له هو دواء دائه، لكنه غير عارف بمرضه ولا عارف بحقيقة الدواء وانما يعرف ذلك الطبيب من الطرق العلمية النظرية إلا أن المقلد حيث إنه تابع لمقلده فله سعادة بتبعه ويكون محشورا معه وتحت رأيته وفيه نكتة شفاعة العلماء للمتعلمين.