توهمه هذا المتوهم، فافهم واستقم، بقى هنا أمران.
أحدهما: قد تكرر في كلماتهم أن وجوب الانذار مقدمي ولذا جعل في الاطلاق والاشتراط تابعا لوجوب التحذر، لكنا قد ذكرنا في البحث عن مقدمة الواجب (1) ان الواجب النفسي ما وجب لا لواجب (2) اخر وأن الواجب الغيري ما وجب لواجب اخر، فما كان وجوبه منبعثا عن وجوب غيره كان واجبا غيريا مقدميا والا فهو واجب نفسي، وبه أجبنا عن شبهة كون الواجبات النفسية واجبات غيرية لانبعاث وجوبها عن غرض فهو الواجب ومحصله واجب مقدمي فينحصر الواجب في مثل المعرفة الواجبة بذاتها، فان ملاك الواجب النفسي ليس عدم انبعاثها عن غرض زائد على ذاته بل عدم انبعاث وجوبه عن وجوب اخر.
وعليه فالانذار من مكلف والتحذر من مكلف اخر ليس وجوب أحدهما منبعثا عن وجوب اخر فالانذار مراد من المتفقة لا لمراد اخر منه حتى يكون واجبا مقدميا وإن كان الغرض منه راجعا إلى الاخر، فافهم وتدبر.
نعم، مسألة التبعية في الاطلاق والتقييد جارية بلحاظ مقام الغرض فان الغرض لو كان قائما بالتحذر من علم لا يعقل أن يكون الانذار بقول مطلق واجبا لغرض التحذر الخاص.
ثانيهما (3): أن الآية هل هي متكفلة لجعل الحجية أو مبنية على الحجية فإن كان التحذر غاية شرعية كان الدليل متكفلا للحجية، وإن كان غاية عادية واقعية كان الدليل مبنيا على الحجية.
والتحقيق: أن كلمة (لعل) إن كانت للترجي المراد منه فيه تعالى مجرد المحبوبية فالغاية تعبدية، إذ حاصل المعنى حينئذ إنه يجب الانذار على المتفقهين إرادة أن يحذروا وحيث إن الإرادة ليست تكوينية وإلا لما تخلف عنها التحذر فيه تعالى فلا محالة تكون تشريعية فيفيد وجوب التحذر وهو كناية عن وجوب لازمه وهو العمل.