نعم، ما لا يسقط أصلا - سواء لوحظ الحكم الكلى أو الفعلي - هي الحجية، بمعنى كونه مما يحتج به المولى، فان مورد الاحتجاج فعلا هو في وعاء العصيان، فالخبر من أول قيامه على الحكم مما يصح الإحتجاج به عند المخالفة، ولا يسقط عن هذا الشأن، وهذا من الشواهد على أن الحجية بهذا المعنى الصالح للبقاء فتدبر جيدا.
إذا عرفت ما ذكرناه في معنى الحجية الإعتبارية والانتزاعية فاعلم، أن الحجية المجعولة بالاعتبار حيث إنها أمر وضعي ليس بينه وبين الحكم الواقعي تماثل ولا تضاد، وأما الحجية المجعولة بجعل الإنشاء الطلبي فالإنشاء بداعي تنجيز الواقع على فرض معقوليته أيضا ليس مماثلا ولا مضادا للحكم الحقيقي أي البعث والزجر بالحمل الشائع وإن اشتركا في مفهوم البعث النسبي الانشائي، إلا أن أحدهما بعث بالحمل الشائع والاخر تنجيز بالحمل الشائع.
وأما الانشاء بداعي جعل الداعي سواء كان على طبق المؤدى بعنوان انه الواقع أو على طبق المؤدى بداعي ايصال الواقع بعنوان اخر فنفى المماثلة والمضادة مبنى على ما قدمناه في الحاشية المتقدمة (1) من عدم اتصاف الحكم الواقعي بكونه بعثا وزجرا بالحمل الشائع، إلا بعد وصوله، ولا تماثل ولا تضاد الا بين البعثين بالحمل الشائع أو بين بعث وزجر بالحمل الشائع لا بينهما بالوجود الانشائي، وسيأتي انشاء الله تعالى بقية الكلام (1).
57 - قوله (3): وأما تفويت مصلحة الواقع أو الالقاء (4) الخ:
وذلك لأنهما ليسا من العناوين القبيحة بالذات بل من العناوين المقتضية فإذا وجد فيهما جهة أقوى كان الحسن أو القبح تابعا لتلك الجهة، ولزوم التدارك من الخارج غير مجد في ارتفاع صفة القبح، إذ التدارك من الخارج لا يكون من