عز وجل يقول فلولا نفر الخ: فظاهر صدرها السؤال عن وجوب معرفته والمعذورية في تركها ومن المظنون قويا أن الاستشهاد بالآية لبيان المعذورية بمقدار المسير الذي هو لازم النفر في حال الجهل لا لبيان وجوب التفقه بالنفر نعم، بمناسبة الحكم والموضوع يعلم من الآية أن ما كان من الدين يجب التفقه فيه فان ظاهرها لزوم التفقه في الدين حيث إنه من الدين والله أعلم.
173 - قوله: ومع العجز عنه كان معذورا إن كان عن قصور الخ:
تحقيق المقام يستدعى بسطا في الكلام لا يسعه المجال وربما يخرج عن وضع التعليقة والذي لا بد منه هو ان الجهل تارة يكون بسيطا وأخرى مركبا، وعلى أي تقدير تارة يكون عن قصور، وأخرى عن تقصير، والكلام، تارة فيما يترتب عليه من الآثار في هذه النشأة، وأخرى فيما يترتب عليه في نشأة أخرى، فنقول: الايمان مرتبة منه غيب، ومرتبة منه شهادة، ولهما آثار في عالمي الغيب والشهادة، فالاقرار بالشهادتين الذي هو وظيفة اللسان وهو مرتبة من الايمان بحسب عالم الشهادة توجب ترتب آثار كثيرة في هذه النشأة مما يناسبها من طهارة بدنه وحقن دمه والمناكحة معه والتوارث وأشباه ذلك، ومع عدم الاقرار لا يترتب عليه شئ من تلك الآثار سواء كان جاهلا بسيطا أو مركبا قاصرا أو مقصرا إذ هذه الآثار لمرتبة من الايمان لا من اثار مرتبة أخرى منه، وليس الكلام فيه هنا بل الكلام في مرتبة غيب الايمان المنوط بالمعرفة ومقابلها الجهل، واثار الايمان بهذه المرتبة استحقاق الخلود في النعيم وعدم الخلود في الجحيم بخلاف الكفر، وهذه آثار عالم الغيب ومن لوازم مرتبة غيب الايمان.
ولتحقيق المقام من هذه الحيثية ينبغي تقديم مقدمات:
منها: أن الايمان بمعنى المعرفة يقابله الكفر بمعنى الجهل تارة بتقابل العدم والملكة وأخرى بتقابل التضاد، فالجهل البسيط ممن شأنه أن يعلم ويعرف مقابل للعلم بتقابل العدم والملكة، والجهل المركب المتقوم باعتقاد غير الحق يقابل الاعتقاد بالحق بتقابل التضاد، فما عدا الانسان من الحيوان وغيره ليس من شان نوعه ان يعلم فليس له جهل يقابل العلم بتقابل العدم والملكة، ونوع الانسان على أصناف:
فصنف منه: أيضا ليس من شأنه بما هو صنف أن يعلم ويعرف كالمجانين