وواجب اقتضائي، وليس هذا معنى ثبوت الحكم في هذه المرتبة، إذ لا ثبوت بالذات للمصلحة حتى يكون للحكم ثبوت بالعرض بل له شأنية الثبوت وعبارته " دام ظله " في مبحث الظن من تعليقته الأنيقة (1) أنسب، حيث عبر عن هذه المرتبة بشأنية الثبوت، بخلاف عبارته - دام ظله - في مبحث العلم الإجمالي من فوائده (2) حيث عبر عنها بثبوته بثبوت مقتضيه، ولعله يراد به ما ذكره في التعليقة، والأمر سهل بعد وضوح (3) المقصود، فافهم جيدا.
ثانيتها: مرتبة إنشائه وقد بينا حقيقة الإنشاء في حواشينا على الطلب والإرادة (4)، وملخصه أن الإنشاء إيجاد المعنى باللفظ إيجادا لفظيا بحيث ينسب الوجود الواحد، إلى اللفظ بالذات وإلى المعنى بالعرض، لا إليهما بالذات، فإنه غير معقول، كما أن وجود المعنى حقيقة منفصلا عن اللفظ بآليته غير معقول، كما حقق في محله، وعليه ينبغي تنزيل ما قيل من أن الإنشاء قول قصد به ثبوت المعنى في نفس الأمر، وإنما قيد بنفس الأمر مع أن وجود اللفظ خارجي وهو المنسوب إلى المعنى بالعرض، لأن المعنى بعد الوضع كأنه ثابت في مرتبة ذات اللفظ فيوجد بوجوده في جميع المراحل، وبقية الكلام تطلب من غير المقام.
ثالثتها: مرتبة الفعلية، وفي هذه المرحلة يبلغ الحكم درجة حقيقة الحكمية ويكون حكما حقيقيا وبعثا وزجرا جديا بالحمل الشائع الصناعي، وإلا فمجرد الخطاب من دون تحريم وإيجاب إنشاء محض، وبين الوجود الإنشائي الذي هو نحو استعمال اللفظ في المعنى وبين الوجود الحقيقي مبائنة تباين الشئ بالحمل الأولي وبالحمل الشائع. ومن الواضح أن الوجود لا يكون فردا ومصداقا لطبيعة من الطبائع إلا إذا حملت عليه حملا شايعا صناعيا، وإذا بلغ الإنشاء بهذه