في الملازمة بين حكم العقل والشرع فنقول: الكلام في الملازمة تارة في أن ما حكم به العقل هل يمكن أن يحكم الشارع على خلافه أم لا؟
وعلى الثاني هل يحكم على طبقه مولويا أولا؟ وأخرى، في أن ما حكم به الشارع هل يحكم العقل على وفقه أو لا حكم له؟
أما الأول: فحيث عرفت أن التحسين والتقبيح العقليين مما توافقت عليه آراء العقلاء للمصلحة العامة أو للمفسدة العامة فلا محالة لا يعقل الحكم على خلافه من الشارع، إذ المفروض انه مما لا يختص به عاقل دون عاقل وانه بادي رأى الجميع لعموم مصلحته، والشارع من العقلاء بل رئيس العقلاء، فهو بما هو عاقل كسائر العقلاء وإلا لزم الخلف من كونه بادي رأى الجميع، فالعدل بما هو عدل حسن عند جميع العقلاء ومنهم الشارع، والظلم بما هو ظلم قبيح عندهم ومنهم الشارع.
نعم، تفاوت الأنظار في كون الفعل الكذائي عدلا أو ظلما أمر معقول لا يوجب انتقاض هذه الكلية، ففي موضوعي العدل والظلم لا يعقل الحكم من الشارع بما هو شارع على خلافه، لتنزه ساحته من الاقتراحات الغير العقلائية، فلا يعقل مع انحفاظ الحيثية العاقلية أن لا يكون حاكما بما يحكم به العقلاء، وأولى بذلك ما إذا قيل بثبوت استحقاق المدح والذم في الواقع ونفس الامر فان ثبوت شئ في نفس الأمر متساوي النسبة إلى العقلاء وإلى الشارع، ففرض استحقاق الذم والمدح واقعا وعدم ثبوته عند الشارع متنافيان.