قد عرفت سابقا (1) أنه لو أريد من ذلك الفعلية من جهة لا من جميع الجهات، ففيه: أن الفاقد لبعض جهات الفعلية باق على الشأنية، والشئ ما لم ينسد جميع أبواب عدمه لم يوجد فهو حكم غير فعلى.
ولو أريد من ذلك كون الفعلية ذات مراتب فالفعلي من مرتبة لا ينافي الفعلي من مرتبة أخرى.
ففيه: أن الشدة والضعف في الطبيعة لا يرفع تماثل فردين من طبيعة واحدة ولا تضاد فردين (2) من طبيعتين متقابلتين، كما يظهر لمن أمعن النظر في اجتماع سواد ضعيف مع سواد قوى أو سواد ضعيف مع بياض قوى في موضوع واحد.
وأما إذا أريد من الحكم الفعلي من جهة الحكم بداعي إظهار الشوق المطلق لابداع البعث والتحريك فهو فعلى من قبل هذه المقدمة: ففيه: ما تقدم سابقا أن الشوق إذا بلغ حدا ينبعث منه جعل الداعي كانت إرادة تشريعية، وهي منافية لإرادة أخرى على خلافها أو الإذن في خلافها، وإذا لم يبلغ هذا الحد فلا يكون القطع به موجبا للامتثال ولا مثل الإنشاء بداعي إظهار الشوق المطلق جعلا للداعي، إذا لا ينقلب الشئ عما هو عليه كما مر مرارا.
نعم، ما أفاده - قده - يتجه على ما اخترناه في حقيقة الحكم الفعلي من أنه الإنشاء بداعي جعل الداعي في قبال سائر الدواعي، وما يكون أمره بيد المولى هو هذا المعنى إلا أن هذا الانشاء لا يعقل أن يكون باعثا وداعيا أو زاجرا وناهيا إلا إذا وصل إلى العبد كما مر غير مرة (3)، فإن أريد من الفعلية تمام ما بيد المولى في مقام تحريك العبد كان ما أفاده - قده - وجيها، والفعلية الحقيقية الموجبة لاتصاف الشئ بالباعثية موجها بجهة الإمكان إنما تكون بالوصول إلى العبد، وعليه فمرتبة الفعلية والتنجز في جميع الأحكام واحدة، وحينئذ فالحكم على خلاف الحكم الواقعي على طبق القاعدة لا من جهة اللابدية والجمع بين الحكم الواقعي والظاهري.