الملحوظة في نظر العقلاء الذين توافقت آرائهم على دفعها حفظا للنظام وابقاء للنوع فالكلام فيه من وجهين:
أحدهما: من حيث الصغرى وان المفسدة ضرر أم لا. وثانيهما: من حيث الكبرى وان العقل بملاك التحسين والتقبيح العقليين هل يحكم بدفع كل مضرة أم لا.
اما الأول: فقد منع - قده - (1) من كون المفسدة أو ترك استيفاء المصلحة الملزمة ضررا بل ربما يكون في استيفاء المصلحة ضررا كما في استيفاء مصلحة الزكاة فان فيها ضررا ماليا، وربما يكون في التحرز عن المفسدة ذهاب المنفعة كما في التحرز عن مفسدة البيع الربوي وشبهه، فليست المصالح منافع ولا المفاسد مضارا دائما وان اتفق أحيانا، ولا يخفى انه لو عممنا الضرر إلى كل نقص ينبعث من الفعل اما في نفسه أو بدنه أو ماله أو أحد تلك الأمور بالإضافة إلى غيره ولو إلى النوع فلا محالة لا يخلو الحرام عن أحد تلك الأمور والا لم يكن هناك تأثير واقعي للفعل، كما أن المصلحة إذا كانت أعم من اثر كمالي راجع إلى نفسه أو بدنه أو ماله أو بالإضافة إلى غيره ولو إلى نوعه فلا محالة لا يخلو الواجب عن أحد تلك الأمور، والله العالم.
وأما الثاني: فالوجه في منع الكبرى أمران.
أحدهما: ما عنه - قده - هنا (2) وفيما بعد وفى تعليقته المباركة في مبحث حجية الظن (3) من أن الاقدام على الضرر ببعض الدواعي لا قبح فيه عقلا وان الضرر المقدم عليه ربما يترتب على التحرز عنه ضرر أقوى أو بفوته منفعة أهم من التحرز عنه، وانه ليس كل منفعة عايدة إلى المكلف جابرة للضرر الذي يترتب على الفعل، بل إذا كانت في خصوص الفعل أو فيما يلازمه فيكشف كل ذلك عن أن الاقدام على الضرر بما هو غير قبيح عقلا، أو شرعا، بل ربما يكون جائزا أو