واجبا عقلا أو شرعا، ولا يخفى عليك ان الضرر بما هو كالكذب بحيث لو خلى ونفسه يكون قبيحا لاندراجه تحت عنوان الظلم فإنه بذاته من دون اندراجه تحت عنوان اخر قبيح فلا يتخلف عنه قبحه، وعليه فالكذب المنجى للمؤمن حيث إنه يندرج تحت عنوان العدل والاحسان إلى المؤمن يتصف بالحسن، وكذا الاقدام على الضرر فإنه لا منافاة بين ان يكون بنفسه من دون ملاحظة شئ اخر مندرجا تحت عنوان الظلم القبيح، وبلحاظ ترتب التحرز عن أقوى الضررين عليه أو ترتب منفعة عليه مندرجا تحت عنوان حسن فاتصافه بالحسن العقلي والشرعي أحيانا لا يكشف عن عدم قبحه لو خلى ونفسه، فإذا كان الاقدام على الضرر الدنيوي المحتمل كالاقدام على الضرر المقطوع، كان التكليف المحتمل كاشفا عن المفسدة التي هي على الفرض ضرر دنيوي، وليس هناك في نفسه ما يتدارك به الشرر حتى لا يكون قبيحا بالفعل، فيجب الحكم بقبحه عقلا هذا إذا كان المراد الاقدام على الضرر ببعض الدواعي العقلائية بما هي دواع عقلائية مبنية على ملاحظة الحسن والقبح، واما الدواعي العقلائية بما هي دواع حيوانية موافقة لقوتي الشهوية والغضبية فاقدام العقلاء حينئذ لا يكشف عن عدم القبح كيف وافراد العقلاء بما هم ذو وطباع بشرية يقدمون على ما هو مذموم عقلا ومعاقب عليه شرعا.
وثانيهما: ان المشاهد من العقلاء ليس الا الفرار عن الضرر الدنيوي لئلا يقعوا فيه لا لعلا يقعوا في ذمه فليس هذا الفرار منهم بما هم عقلاء بملاك رعاية المدح والذم العقلائي حتى يجدى هنا، بل بما هم ذو وشعور يحبون أنفسهم، ويبغضون ما يؤذيهم على حد، فرار سائر أنواع الحيوانات من المؤذيات، وليس ذمهم على من لا يفر من الضرر البحث الا من باب الذم على عدم شعوره لا الذم على الفعل بما هو.
والتحقيق: ان بناء المدح والذم - الذي هو ملاك التحسين والتقبيح العقلائيين