مقطوع العقاب موردا لذم اخر أو لعقاب آخر بل العقاب مقطوعا كان أو محتملا مما يفر عنه طبعا كل ذي شعور، وسيجيئ انشاء الله تعالى بقية الكلام.
167 - قوله: فإنهم وسائط نعمه وآلائه (1) الخ:
إن أريد لزوم معرفة وسائط النعم في تحقق شكر المنعم الحقيقي فهو مما لا برهان عليه لعدم التوقف عقلا.
وإن أريد لزوم معرفتهم لوجوب شكرهم لمكان وساطتهم للفيض فهو مناف بظاهره للتوحيد في الفعل، ورؤية وسائط النعمة بمنزلة الآلات وانه لا منعم بالحقيقة سواه (تعالى) فيكون رؤية النعمة منهم وشكرهم على حد شكر المنعم الحقيقي شركا بالمنعم بما هو منعم.
قلت: المراد هو الشق الثاني والشبهة سارية في شكر كل انسان أنعم على غيره، فمن احتجب بالحق عن الخلق لا يرى النعمة إلا من الحق فلا يشكر غير الحق، ومن احتجب بالخلق عن الحق فلا يرى النعمة إلا من الخلق فلا يشكر الا الخلق، ومن لم يحتجب عن أحدهما بالآخر فيرى الحق والخلق معا فيشكرهما معا، غاية الأمر أن الحق هو منتهى سلسلة النعم ونسبتها إليه بالوجوب وإلى غيره بالامكان فهو المشكور أولا وغيره مشكور ثانيا، فالنعمة أثر الوجود الذي هو عين ايجاده (تعالى) فكما أن وجوده حقيقة ومع ذلك ايجاده تعالى حقيقة كذلك انعامه انعامه حقيقة ومع ذلك فهو أنعامه تعالى حقيقة لانطواء فعله في فعله (تعالى) بل بهذا النظر شكر الخلق شكر الحق أيضا، هذا هو القول الكلى في شكر كل منعم غيره تعالى.
وأما وساطة الأنبياء والأوصياء عليهم أفضل التحية والثناء للنعم والآلاء سواء كانت بمعنى فاعل ما به الوجود بأن يكونوا مجاري فيض الوجود أولا وبالذات أو بمعنى العلة الغائية بان يكونوا الغاية المقصودة من الوجود والايجاد فليست كعلية الواجب فطرية حتى تكون باعثة على شكرهم المقتضى لتحصيل معرفتهم