التسليم لكليهما وجب التسليم لأحدهما مخيرا، وليس مثل هذا العنوان فيما نحن فيه حتى يكون دليل التخيير هناك دليلا على التخيير هنا، فعلم أن التخيير بين الخبرين ليس لأجل ما توهم من الملاك بل لما ذكرناه في هذا الشقوق.
وأما الحجية بالمعنى الثالث: فحالها حال جعل الحكم المماثل على الطريقية المحضة، إذ لا غرض في هذا الانشاء - على الفرض - الايصال الواقع بأثره لا بمماثله، فذاك الغرض هو الداعي إلى التنجيز الواقع بالخبر، وهذا شأن الخبر الموافق دون كليهما فلا تخيير على القاعدة بل بدليل خاص بعنوان التسليم لما يرد عنهم (ع) بتوسط الثقات.
وأما ما عن شيخنا العلامة - قدس سره - في المتن (1) من الجواب بناء على الطريقية من وجود ملاك الطريقية في كلا الخبرين هو احتمال الإصابة شخصا وغلبة الإصابة نوعا، فالعلم الاجمالي بالكذب الواقعي غير مانع، إذ ليس الكذب الوقعي مانعا ومع وجود الملاك في كليهما فلا محالة يكون التخيير على القاعدة ولا يقاس به ما نحن فيه، حيث إنه ليس فيه الا مجرد احتمال الحكمين لا ملاكان لاعتبار الحجية في كلا الخبرين، فقد بينا في محله أنه لا يخلو عن محذور، إذ بناء على الطريقية المحضة لم ينبعث الانشاء بداعي جعل الحكم المماثل أو بداعي تنجيز الواقع إلا عن نفس مصلحة الواقع، فالحكم المماثل واحد والمنجز بالحقيقة واحد عن مقتض واحد، غاية الامر انه لم يجعل الحكم المماثل على طبق مؤدى كل أمارة ولم يجعل الواقع منجزا بأية أمارة كانت بل على طبق ماله احتمال الإصابة شخصا وغلبة الإصابة نوعا، ودخل هذه الخصوصية في الجعل المزبور عن المقتضى الواقعي أمر وكونه مقتضيا للجعل المزبور أمر آخر، ومجرد وجود الشرط مع عدم المقتضى لا يفيد شيئا ولا يكون التخيير على القاعدة كالمتزاحمين، فتدبر جيدا.