كما مر مرارا (1) - على كون الفعل ذا مصلحة عامة وذا مفسدة عامة (2) بحيث لولا هذا المدح والذم الذي هو أول موجبات انحفاظ النظام وأول موانع اختلاله، لكانت الطباع البشرية مقتضية للاقدام عليه، كما في الاضرار بالغير بالاقدام على قتاله أو التعرض لعياله أو سلب ماله لا الاضرار بالنفس بلا فائدة عائدة إليه، فان الزاجر الطبيعي وهو كونه منافرا له في حد ذاته كاف في الزجر عنه فان ما يلحقه منه أعظم ما يلحقه من ذم العقلاء فالبناء العقلائي على المدح والذم انما هو فيما لم يكن هناك باعث طبيعي أو زاجر طبيعي، وهو في الاحسان بالغير والإسائة إليه لا في الاحسان إلى نفسه بجلب منفعة أو الإساءة إليه بالاقدام على مضرة ويشهد لما ذكرنا من عدم قبح الاضرار بالنفس انه لو كان كالأضرار بالغير ظلما قبيحا لو خلى ونفسه، لما ارتفع قبحه بمجرد عود منفعة إليه، كما لا يرتفع قبح الكذب بمجرد جلب منفعة إلى نفسه أو إلى غيره، مع أن تحمل المضار لجلب المنافع التي لا يتضرر بعدم تحصيلها مما عليه مدار عمل العقلاء من دون شبهة في عدم قبحه، وليس كذلك الاضرار بالغير فإنه قبيح ولو مع عود نفع إليه، فيعلم ان عدم الاقدام على الضرر المحض لكونه سفهائيا لا لكونه قبيحا بملاك قبح الظلم، وعليك بارجاع ما افاده شيخنا العلامة - ره - إليه (3).
ثم انه لو سلمنا كون الاقدام على الضرر ظلما على النفس لكنه لا يجدى لما نحن فيه، فان الحسن والقبح بمعنى كون الفعل ممدوحا عليه وكونه مذموما عليه من صفات الأفعال الاختيارية الصادرة عن علم وعمد، فلا يصدر ضرب اليتيم حسنا الا إذا صدر بعنوان التأديب اختيارا، ولا يكفي صيرورته مصداقا للتأديب واقعا، كما أن الصدق لا يصدر قبيحا الا إذا صدر بعنوان كونه مهلكا للمؤمن عن علم وعمد، ولا يكفي كونه واقعا كذلك، وعليه فقبح الفعل بما هو