وإن كان الترخيص عقليا والاستحقاق بجعل الشارع فمن الواضح أن جعل العقاب على مخالفة التكليف الواصل واقعا ورفع عقاب الواقع على تقدير المصادفة متنافيان، لان ضم الواقع إلى غير الواقع لا يحدث عقابا على مخالفة الواقع بل بقاء الواقع على فعليته المتقومة باستحقاق العقاب عقلا أو جعلا غير معقول، فلا محالة إما لا فعلية ولا تنجز للواقع، وإما لا ترخيص في كل منهما بدلا، كما لا ترخيص في كليهما. وأما حديث نصب الطريق أو جعل البدل ولو كان بعنوان القناعة بالامتثال الاحتمالي عن الامتثال القطعي فهو أجنبي عن انفكاك وجوب الموافقة القطعية عن حرمة المخالفة القطعية، أو لا يجدى في الانفكاك.
أما نصب الطريق فقد أوضحنا حاله في الجواب عن الدليل العقلي للأخباريين (1) وبينا هناك أن الحجية إما بمعنى جعل الحكم المماثل أو بمعنى تنجيز الواقع ومن البين امتناع اجتماع حكمين فعليين في مورد واحد وامتناع تنجز المنجز، فلا علم اجمالي بحكم فعلى على أي تقدير، أو لا يؤثر على أي تقدير فينحل العلم حكما ووجوب ما قام عليه الطريق أو ما اقتضاه الأصل السليم عن المعارض ليس من ناحية رعاية العلم الاجمالي وبقاء أثره من حيث حرمة المخالفة القطعية بل من ناحية الحجة فراجع. وأما جعل البدل، فتارة، بمعنى اشتمال غير الواجب الواقعي في حال الجهل على مصلحة يتدارك بها مصلحة الواجب الواقعي، فالمأتي به، إما هو الواقع أو ما يتدارك به مصلحة الواقع ولاشتمال غير الواجب الواقعي على مصلحة يتدارك مصلحة الواقع يخير العقل بين إتيانه وإتيان الواقع، وليس ترك الواقع مع فعل ما يستوفى به الغرض منه قبيحا عقلا، ولا منافاة بين العلم الاجمالي بوجوب تعييني واحد واقعا والعلم بوجوبين تخييريين شرعا وعقلا بنحو الواجبين المتزاحمين ظاهرا، فلم يسقط الوجوب الواقعي عن الفعلية ليكون خلفا، أو يكون الترخيص التخييري منافيا بل يسقط بحكم العقل عن التعينية لثبوت البدل له ومثله لا ينافيه الترخيص إلى