إنما هم نوابه وخلفاؤه ولهذا وصفهم بصفاته بل جعل عينه عين صفاتهم فهو الإمام لا هم قال تعالى إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله وقال تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله وقال وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم أي أصحاب الأمر وأصحاب الأمر على الحقيقة هم الذين لا يقف لأمرهم شئ لأنهم بالله يأمرون كما به يسمعون كما به يبصرون فإذا قالوا الشئ كن فإنه يكون لأنهم به يتكلمون فهذا معنى وأولي الأمر منكم في الاعتبار ولهذا كانت طاعة السلطان واجبة فإن السلطان بمنزلة أمر الله المشروع من أطاعه نجا ومن عصاه هلك (فصل بل وصل في إمامة الصبي غير البالغ) إذا كان قارئا اختلفوا في إمامة الصبي غير البالغ إذا كان قارئا فأجاز ذلك قوم مطلقا ومنع من ذلك قوم مطلقا وأجازه قوم في النفل دون الفريضة اعتبار الأمر في ذلك يقال صبا فلان إلى كذا إذا مال إليه لما كان الصبي يميل إلى حكم الطبيعة ونيل أغراضه سمي صبيا أي مائلا إلى شهواته وهو غير البالغ حد العقل الذي يوجب التكليف وكانت الطبيعة في الرتبة دون العقل فلم يصح لها التقدم ولا لمن مال إليها وإن كان مائلا إليها بحق فإن لها مقام التأخر فلا بد أن يتأخر والمتأخر لا يكون إماما مقدما فإنه نقيض حكم ما هو فيه فمن راعى هذا الاعتبار لم يجز إمامة الصبي وإن كان قارئا ومن راعى كونه حاملا للقرآن جعل الإمامة للقرآن لا للصبي وكانت إمامة الصبي في حكم التبعية لأجل القرآن فأجاز إمامة الصبي قال تعالى وآتيناه الحكم صبيا يعني حكم الإمامة وقالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وهو مقام الإمامة مع تسميته صبيا ومن جعل عبودية الصبي عبودية اختيار لسقوط التكليف عنه ورأى أن النافلة عبادة اختيار أجاز صلاة الصبي إماما في النفل دون الفرض للمناسبة في الاختيار (فصل بل وصل في إمامة الفاسق) فردها قوم بإطلاق وأجازها قوم بإطلاق وفرق قوم بين الفاسق المقطوع بفسقه وبين المظنون فسقه فلم يجيزوا الإمامة للمقطوع بفسقه وأن المصلي وراءه يعيد واستحبوا الإعادة لمن صلى خلف المظنون فسقه في الوقت وفرقوا أيضا بين من يكون فسقه بتأويل وبين من يكون بغير تأويل فأجازوا الصلاة خلف المتأول ولم يجيزوها لغير المتأول وبالإجازة على الإطلاق أقول فإن المؤمن ليس بفاسق أصلا إذ لا يقاوم الايمان شئ مع وجوده في محل العاصي (الاعتبار في ذلك) الفاسق من خرج عن أصله الحقيقي وهو كونه عبدا لأنه لهذا خلق فإنه لا بد أن يكون عبدا لله أو عبدا لهواه فما برح من الرق فلم يبق خروجه إلا عن الإضافة التي أمر أن ينضاف إليها فتجوز إمامته لأن الموفق من عباد الله يأتم بهذا الفاسق فإنه يراه قائما بعبوديته في حق هواه الذي فيه شقاؤه فيتعلم منه استيفاء حق العبودية التي أمره الله أن يكون بها عبدا له فيقول أنا أولى بهذه الصفة في حق الله من هذا العبد في حق هواه فلما رأينا أولياء الله يأتمون به وينفعهم ذلك عند الله ويكون هذا الاقتداء سببا في نجاتهم صحت إمامته وقد صلى عبد الله بن عمر خلف الحجاج وكان من الفساق بلا خلاف المتأولين بخلاف فكل من آمن بالله وقال بتوحيد لله في ألوهته فالله أجل أن يسمى هذا فاسقا حقيقة مطلقا وإن سمي لغة لخروجه عن أمر معين وإن قل والمعاصي لا تؤثر في الإمامة ما دام لا يسمى كافرا وأما الفسق المظنون فبعيد من المؤمن إساءة الظن بحيث أن يعتقد فسوق زيد بالظن لا يقع في ذلك مؤمن مرضي الايمان عند الله وهذا كله في الأحوال الظاهرة وأما الباطنة فذلك إلى الله أو من أعلمه الله ثم يرتقي العارف بالنظر في الفسوق مما يذمه الشرع إلى ما تعطيه اللغة ولكن في الاعتبار لا في الحكم الظاهر وهو إذا خرج الإنسان عن إنسانيته بخروجه عن حكم طبيعته عليه إلى عالم تقديسه من الأرواح العلا فهل تصح له إمامة هنالك أم لا فمن أصحابنا من قال تصح إمامته بالعالم الأعلى على الإطلاق وهو مذهبنا ومن أصحابنا من قال لا يؤم إذا خرج عن حكم طبيعته إلا بالأرواح المفارقة للأجسام الطبيعية من الجن والإنس وسبب اختلافهم أن كل صاحب كشف أخبر عما رأى في كشفه في ذلك الوقت والمكاشف قد يطلع وقتا على الأمر من جميع جهاته وقد يطلع على بعض وجوهه ويستر الله عنه ما شاء من وجوه ذلك الأمر فيحكم المكاشف على الكل فيكون صحيح الكشف مخطئا في تعميم الحكم ثم يرى أنه من حيث روحه من جملة
(٤٤٦)