بذلك حمله بعض الناس على الندب وحمله بعض على الوجوب وهو الذي ذكرناه من أنه تبطل الصلاة بعدم هذه الصفة والذي أقول به إن الصلاة صحيحة وهم عصاة أما الصف الأول فورد الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسابقة إليه ثم إنه قال فيه ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه يريد الاقتراع وأما التسوية فإنهم دعوا إلى حال واحدة مع الحق وهي الصلاة فساوى في هذه الدعوة بين عباده فلتكن صفتهم فيها إذا أقبلوا إلى ما دعاهم إليه تسوية الصفوف لأن الداعي ما دعا الجماعة إلا ليناجيهم من حيث إنهم جماعة على السواء لا يخص واحد دون آخر فيجب أن يكونوا على السواء والاعتدال في الصف لا يتأخر واحد من الصف ولا يتقدم بشئ منه يؤدي إلى اعوجاجه فإنهم يناجون من هذه الحيثية وينبغي أن تكون الصور الباطنة والهمم من المصلين متساوية في نسبة التوجه إلى الله تعالى والإخلاص له في تلك العبادة التي دعاهم إليها من حيث ما هم مصلون وإن الله لما اصطفى منهم واحدا سماه إماما ليناجيه عن الجماعة بما يحب أن يهبه للجماعة وجعله كالترجمان بين يديه وبين أيديهم مقبلا على ربهم فيجب على الجماعة السكوت والإنصات والانتظار لما يرد عليهم من سيدهم بوساطة ذلك الإمام ولهذا جاء في حديث جابر أن قراءة الإمام كافية عن الجماعة فإنه الذي قدمه الحق للمناجاة فلما كان الإمام هو المقصود في النيابة عن الجماعة وأمر الشرع أن يأتموا به في كل ما يفعله مما شرع له فعله وجب عليهم الإنصات والاقتداء بكل ما يفعله الإمام في صلاته وأما التراص في الصف فهو أن لا يكون بين الإنسان وبين الذي يليه خلل من أول الصف إلى آخره وسبب ذلك أن الشياطين تسد ذلك الخلل بأنفسها وهم في محل القربة من الله تعالى فينبغي أن يكونوا في القرب بعضهم من بعض بحيث أن لا يبقى بينهم خلل يؤدي إلى بعد كل واحد من صاحبه فتكون المعاملة فيما بينهم من أجل الخلل نقيض ما دعوا إليه من صفة القربة فيتخلل تلك الخلل والفرج البعداء من الله لمناسبة البعد الذي بين الرجلين في الصف في الصلاة فينقصهم من رحمة القرب الذي للمصلي في الصف بقدر الخلل وبمرتبة ذلك الشيطان من البعد عن الله فإذا ألزقت المناكب بعضها ببعض انسد الخلل ولم تجد صفة البعد عن الله محلا تقوم به لأن الشيطان الذي هو محل البعد عن الله ليس هناك وإنما تفرح الشياطين بخلل الصف وتدخل فيه لما ترى من شمول الرحمة التي يعطي الله للمصلين فتزاحمهم في تلك الفرج لينا لهم من تلك الرحمة شئ بحكم المجاورة من عين المنة لمعرفتهم بأنهم البعداء عن الله وما هم هؤلاء الشياطين الذين يوسوسون في الصلاة فإن أولئك محلهم القلوب فهم على أبواب القلوب مع الملائكة تلقي إلى النفس وتنكت في القلب ما يشغله عما دعى إليه ومن جملة ما تلقي إليه أن لا يسد الخلل الذي بينه وبين صاحبه لوجهين الوجه الواحد ليتصف بالمخالفة فيؤديه إلى البعد عن الله فإن الشيطان إنما كان بعده عن الله لمخالفته لأمر الله والوجه الثاني في حق أصحابهم من الشياطين ليتخللوا ذلك الخلل فتصيبهم رحمة المصلين فيناجي الإمام ربه ويناجيه ولهذا شرع كناية الجمع في مناجاة الصلاة وأن لا يخص الإمام نفسه في الدعاء دونهم فإنه لسان الجماعة فالمكاشف يشهد هذا كله ويأخذ عن الله مما يعطيه بوساطة هذا الإمام ما يأتي به الله وسواء كان ذلك الإمام قد وفي حق ما دعى إليه من الحضور مع الله أم لا فيتلقاه كل من هذه صفته من الله فيسعد الإمام بمثل هذا المأموم وأما غير المكاشف وغير الحاضر في الصلاة بقلبه إذا اجتمع هو والإمام في عدم الحضور كان الإمام من الأئمة المضلين فإن حضر الجماعة مع الله ما عدا الإمام كان الإمام ضالا وحده وإن سعد فبمن خلفه وإن حضر الإمام وحده ولم تحضر قلوب الجماعة في تلك الصلاة شفع الإمام في الجماعة كلها فإنه العين المقصودة من الجماعة فقد حصل المقصود ولهذا ينبغي أن يختار للإمامة أهل الدين والخير والمشتغلين بالله وإن كانوا قليلين من العلم فهم أولى بالإمامة من العلماء الغافلين لأن المراد من المصلي الحضور مع الله فلا يحتاج من العلم المصلي من حيث ما هو مصل إلا أن يعرف أنه بين يدي ربه يناجيه بما يسر الله له من تلاوة كتابه لا غير ذلك فلا يبالي بما نقصه من العلم في حال صلاته حتى إن المصلي لو أحضر في مناجاته مبايعة ومسائل طلاق ونكاح لم يكن بينه وبين الغافل عن صلاته فرق وإنما يكون مع الله من حيث ما هو بين يديه في عبادة خاصة دعاه إليها يحرم عليه فيها في باطنه ما حرم عليه في ظاهره فكما لا ينبغي أن يلتفت بوجهه التفاتا يخرجه عن القبلة كذلك لا ينظر بقلبه إلى غير
(٤٥١)