أريدك لا أريدك للثواب * ولكني أريدك للعقاب وكل مآربي قد نلت منها * سوى ملذوذ وجدي بالعذاب فاعلم إن البلاء المحقق إنما هو قيام الألم ووجوده في نفس المتألم ما هو السبب المربوط به عادة كوجود الضرب بالسوط والحرق بالنار والجرح بالحديد وما أشبه ذلك من الآثار الحسية مما يكون عنها الآلام الحسية وكذلك ضياع المال والمصيبة في الأهل والولد والتوعد بالوعيد الشديد وجميع الأسباب الخارجة عنه الموجبة للآلام النفسية عادة إذا حصلت بهذا الشخص وهي ثوبا الإحرام فإن الإحرام يحول بينه وبين الترفه والتنعم فمثل هذه الأمور في العادة يوجب الآلام فيتعين شرعا على المبتلى بها الصبر والرضي والتسليم لجريان الأقدار عليه بذلك فتسمى هذه الأسباب عذابا وليست في الحقيقة عذابا وإنما العذاب هو وجود الألم عند هذه الأسباب لا عين الأسباب وكذلك اللذة التي هي نقيض الألم هي صفة للملتذ يوصف بها وهو النعيم والتنعم وله أسباب ظاهرة وهي نيل أغراضه كانت ما كانت فإنه يتنعم بوجودها إذا حصلت فهو صاحب تنعم في مقام تنعيم فعبد على مثل هذا بالشكر لا بالصبر وسمي أسباب وجود اللذة في الملتذ نعيما وليس النعيم في الحقيقة إلا اللذة الموجودة في النفس وهي أيضا لذات حسية ونفسية وأسباب كأسباب الآلام خارجة وقائمة بحسه فأما صاحب أسباب الآلام إذا وجد اللذة والالتذاذ في نفسه مع قيام هذه الأسباب الموجبة للآلام عادة لم يجب عليه الصبر فإنه ليس بصاحب ألم وإنما هو صاحب لذة متقلب في نعم من الله فيجب عليه الشكر للتنعم القائم به وبالعكس في حصول أسباب النعم يجد عندها الألم فيجب عليه الصبر قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما أصابني الله بمصيبة فأثبت أنه مصاب بها أي نزلت به مصيبة أي سبب موجب للألم عادة فقال أ لا رأيت أن لله علي في تلك المصيبة ثلاث نعم النعمة الواحدة حيث لم تكن في ديني النعمة الثانية حيث لم تكن أكثر منها النعمة الثالثة ما وعد الله من الثواب عليها فإنا أنظر إليه فمثل هذا ما يسمى صابرا فإنه صاحب نعم متعددة فهو ملتذ بمشهوده فيجب عليه شكر المنعم وبالعكس وهو وجود أسباب اللذة فينعم الله عليه بمال وعافية ووجود ولد أو ولاية جديدة يكون له فيها رياسة وأمر ونهي وهذه كلها أسباب تلتذ النفوس بها وإذا كانت مطعومات شهية وملبوسات لينة فاخرة ومشمومات عطرة فهو صاحب لذة حسية فيفكر صاحب هذه الأسباب بما للحق عليه فيها من الحقوق من شكر المنعم والتكليف الإلهي في ذلك وما يتعين عليه في المال والولد والولاية من التصرف في ذلك كله على الوجه المشروع المقرب إلى الله وإقامة الوزن في ذلك كله فعند ما يخطر له هذا وهو الواجب عليه من الله أن ينظر في ذلك أعقبت هذه الأسباب الملذة في العادة هذا الفكر الموجب للألم فقام الألم به فهو صاحب بلاء لأنه صاحب ألم عن ظهور أسباب نعيم فيجب عليه الصبر على ذلك الألم ويسعى في أداء ما يجب عليه من الحق في ذلك أو يزهد فيه إن أفرط فيه الألم فما وقع الصبر إلا في موضعه مع وجود أسباب ضده ولا وقع الشكر إلا في موضعه مع وجود أسباب ضده ولذا قال أبو يزيد سوى ملذوذ وجدي بالعذاب فما أراد بالعذاب هنا وجود الألم فإن الألم بالشئ مضاد للتلذذ به فلا يجتمعان في محل واحد أبدا وهو طلب اللذة عند وجود سبب الآلام وهو خرق عادة كنار إبراهيم عليه السلام هي في الظاهر نار ولكن ما أثرت إحراقا في جسم إبراهيم ولا وجد ألما لها بل كانت عليه بردا وسلاما فتعين الشكر عليه لأنه ما ثم ألم يجب الصبر عليه فالصبر أبدا لا يكون إلا مع البلاء والبلاء وجود الألم والشكر أبدا لا يكون إلا مع النعماء والنعيم بوجود اللذة في المحل فما يقع الشكر من العبد إلا على مسمى النعمة ولا يقع الصبر من العبد إلا على مسمى الألم وهو البلاء ألا ترى النبي صلى الله عليه وسلم ما غير ثوبي إحرامه إلا بمكان يسمى التنعيم ينبه بذلك أصحابه ومن يأتي بعده من إخوانه إنكم إذا نالتكم مشقة الإحرام في الحج وما يتضمنه من الأسباب المؤلمة المؤذية فانظر فيما لله في طيها من النعم التي لا تحصى فيعقبكم رؤية ذلك تنعيما والتذاذا بما أنتم بسبيله لأنه سبب موجب لنيل تلك المشاهد الكرام والنعم الجسام فتهون عليكم صعوبة طريقكم فتكونون من الشاكرين فتجازوا يوم القيامة جزاء الصديقين الصابرين وجزاء الصديقين الشاكرين وكذلك في أسباب النعم إذا رأيتموها بلاء واختبارا وأديتم حقوقها
(٧٤٦)