الربانية فأعطاه أن يقول للشئ إذا أراده كن فيكون وهذا سر وجود الغني في الفقر ولا يشعر به كل أحد فإنه لا يقول لشئ كن فيكون حتى يشتهيه ولهذا قال تعالى ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم فما طلب إلا ما ليس عنده ليكون عنده عن فقر لما طلب لأن شهوته أفقرته إليه ودعته إلى طلبه ليس ذلك المشتهي طلبه وعنده الصفة الربانية التي أوجبت له القوة على إيجاد هذا المشتهي المطلوب فقال له كن عن فقر بصفة إلهية فكان هذا المطلوب في عينه فتناول منه ما لأجله طلب وجوده وليس هو كذا في حق الحق لأن الله لم يطلب تكوين الموجودات لافتقاره إليها وإنما الأشياء في حال عدمها الإمكاني لها تطلب وجودها وهي مفتقرة بالذات إلى الله الذي هو الموجد لها لفقرها الذاتي وفي وجودها من الله فقبل الحق سؤالها وأوجدها لها ولأجل سؤالها لا من حاجة قامت به إليها لأنها مشهودة له تعالى في حال عدمها ووجودها والعبد ليس كذلك فإنه فاقد لها حسا في حال عدمها وإن كان غير فاقد لها علما إذ لولا علمه بها ما عين بالإيجاد شيئا عن شئ ودون شئ غير أن العبد مركب من ذاتين من معنى وحس وهو كماله فما لم يوجد الشئ المعلوم للحس فما كمل إدراكه لذلك الشئ بكمال ذاته فإذا أدركه حسا بعد وجوده وقد كان أدركه علما فكمل إدراكه للشئ بذاته فتركيبه سبب فقره إلى هذا الذي أراد وجوده وإمكانه سبب فقره إلى مرجحه وأما الحق تعالى فليس بمركب بل هو واحد فإدراكه للأشياء على ما هي الأشياء عليه من حقائقها في حال عدمها ووجودها إدراك واحد فلهذا لم يكن في إيجاده الأشياء عن فقر كما كان لهذا العبد المخلوق عليه صفة الحق وهذه مسألة لو ذهب عينك جزاء لتحصيلها لكان قليلا في حقها لأنها مزلة قدم زل فيها كثير من أهل طريقنا والتحقوا فيها بمن ذم الله تعالى في كتابه من قولهم إن الله فقير وهذا سببه فما وجد الممكن ولا وجدت المعرفة الحادثة إلا لكمال رتبة الوجود وكمال رتبة المعرفة لا لكمال الله بل هو الكامل في نفسه سواء وجد العالم أو لم يوجد وعرف بالمعرفة المحدثة أو لم يعرف كما أنه على الحقيقة لا يعرف ولا يعرف منه ممكن إلا نفسه وأما نفي الذنوب فإنها من حكم الاسم الآخر لأن ذلك من الأمر بمنزلة الذنب من الرأس متأخرة عنه لأن أصله طاعة فإنه ممتثل للتكوين إذ قيل له كن فما وجد إلا مطيعا ثم عرض له بعد ذلك مخالفة الأمر المسمى ذنبا فأشبه الذنب في التأخر فانتفى بالأصل لأنه أمر عارض والعرض لا بقاء له وإن كان له حكم في حال وجوده ولكن يزول فهذا يدلك على إن المال إلى السعادة إن شاء الله ولو بعد حين ثم إن للذنب من معنى الذنب صفتين شريفتين إذا علمها الإنسان عرف منزلة الذنب عند الله وذلك أن ذنب الدابة له صفتان شريفتان ستر عورتها وبه تطرد الذباب عنها بتحريكها إياه وكذلك الذنب فيه عفو الله مغفرته وشبه ذلك ما لا يشعر به مما يتضمنه من الأسماء الإلهية يطرد عن صاحبه أذى الانتقام والمؤاخذة وهما بمنزلة الذباب الذي يؤذي الدابة فلا يصيب الانتقام إلا للأبتر الذي لا ذنب له يقول تعالى إن شانئك هو الأبتر أي لا عقب له أي لا يترك عقبا ينتفع به بعد موته كما قال عليه السلام أو ولد صالح يدعو له ولدا كان أو سبطا وذكرا أو أنثى بقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم إن الذي ألحق بك الشين هو الأبتر فلم يعقب وعقب الشئ مؤخره ولهذا قلنا في الذنب إنه مؤخر لأنه في عقب الدابة وبعدمه يكون أبتر فلو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيغفر لهم ولم يقل فيعاقبهم فغلب المغفرة وجعل لها الحكم فاصل وجود الذنب بذاته لما يتضمنه من المغفرة والمؤاخذة فيطلب تأثير الأسماء وليس أحد الإسمين المتقابلين في الحكم أولى من الآخر لكن سبقت الرحمة لغضب في التجاري فلم تدع شيئا إلا وسعته رحمته ومن رحمة الطبيب بالعليل صاحب الأكلة إدخال الألم عليه بقطع رجله فافهم واجعل بالك فمؤاخذات الحق عباده في الدنيا الآخرة تطهير ورحمة والتنبيه أيضا على ذلك إن العقاب لا يكون إلا في الذنب والعقوبة لفظة تقتضي التأخير عن المتقدم فهي تأتي عقيبه فقد تجد العقوبة الذنب في المحل وقد لا تجده إما بأن يقلع عنه وإما أن يكون الاسم العفو والغفور استعانا عليه بالاسم الرحيم فزال فترجع العقوبة خاسرة ويزول عن المذنب اسم المذنب لأنه لا يسمى مذنبا إلا في حال قيام الذنب به وهو المخالفة والغفران في نفس الذنب وما يأتي عقيبه لأنه غير متيقن بالمؤاخذة والانتقام عليه فلا يأتي الغفران عقيبه فلا يسمى الغفران عقابا وجزاء الخير يسمى ثوابا لثورانه وعجلته فيكون في نفس الخير المستحق له لأنه من ثاب إلى الشئ إذا ثار إليه بالعجلة والسرعة ولهذا قال سارعوا
(٧٣٤)