فنقول فقوله ذلك الكتاب بعد قوله ألم إشارة إلى موجود بيد أن فيه بعدا وسبب البعد لما أشار إلى الكتاب وهو المفروق محل التفصيل وأدخل حرف اللام في ذلك وهي تؤذن بالبعد في هذا المقام والإشارة نداء على رأس البعد عند أهل الله ولأنها أعني اللام من العالم الوسط فهي محل الصفة إذ بالصفة يتميز المحدث من القديم وخص خطاب المفرد بالكاف مفردة لئلا يقع الاشتراك بين المبدعات وقد أشبعنا القول في هذا الفصل عند ما تكلمنا على قوله تعالى اخلع نعليك من كتاب الجمع والتفصيل أي اخلع اللام والميم تبق الألف المنزهة عن الصفات ثم حال بين الذال الذي هو الكتاب محل الفرق الثاني وبين اللام التي هي الصفة محل الفرق الأول التي بها يقرأ الكتاب بالألف التي هي محل الجمع لئلا يتوهم الفرق الخطاب من فرق آخر فلا يبلغ إلى حقيقة أبدا ففصل بالألف بينهما فصار حجابا بين الذال واللام فأرادت الذال الوصول إلى اللام فقام لها الألف فقال بي تصل وأرادت اللام ملاقاة الذال لتؤدي إليها أمانتها فتعرض لها أيضا الألف فقال لها بي تلقاه فمهما نظرت الوجود جمعا وتفصيلا وجدت التوحيد يصحبه لا يفارقه البتة صحبة الواحد الأعداد فإن الاثنين لا توجد أبدا ما لم تضف إلى الواحد مثله وهو الاثنين ولا تصح الثلاثة ما لم تزد واحدا على الاثنين وهكذا إلى ما لا يتناهى فالواحد ليس العدد وهو عين العدد أي به ظهر العدد فالعدد كله واحد لو نقص من الألف واحد انعدم اسم الألف وحقيقته وبقيت حقيقة أخرى وهي تسعمائة وتسعة وتسعون لو نقص منها واحد لذهب عينها فمتى انعدم الواحد من شئ عدم ومتى ثبت وجد ذلك الشئ هكذا التوحيد إن حققته وهو معكم أينما كنتم فقال ذا وهو حرف مبهم فبين ذلك المبهم بقوله الكتاب وهو حقيقة ذا وساق الكتاب بحر في التعريف والعهد وهما الألف واللام من ألم غير أنهما هنا من غير الوجه الذي كانتا عليه في ألم فإنهما هناك في محل الجمع وهما هنا في أول باب من أبواب التفصيل ولكن من تفصيل سرائر هذه السورة خاصة لا في غيرها من السور هكذا ترتيب الحقائق في الوجود فذلك الكتاب هو الكتاب المرقوم لأن أمهات الكتب ثلاثة الكتاب المسطور والكتاب المرقوم والكتاب المجهول وقد شرحنا معنى الكتاب والكاتب في كتاب التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية في الباب التاسع منه فانظره هناك فنقول إن الذوات وإن اتحد معناها فلا بد من معنى به يفرق بين الذاتين يسمى الوصف فالكتاب المرقوم موصوف بالرقم والكتاب المسطور موصوف بالتسطير وهذا الكتاب المجهول الذي سلب عنه الصفة لا يخلو من أحد وجهين إما أن يكون صفة ولذلك لا يوصف وإما أن يكون ذاتا غير موصوفة والكشف يعطي أنه صفة تسمى العلم وقلوب كلمات الحق محله ألا تراه يقول ألم تنزيل الكتاب قل أنزله بعلمه فخاطب الكاف من ذلك بصفة العلم الذي هو اللام المخفوضة بالنزول لأنه يتنزه عن إن تدرك ذاته فقال للكاف التي هي الكلمة الإلهية ذلك الكتاب المنزل عليك هو علمي لا علمك لا ريب فيه عند أهل الحقائق أنزله في معرض الهداية لمن اتقاني وأنت المنزل فأنت محله ولا بد لكل كتاب من أم وأمه ذلك الكتاب المجهول لا تعرفه أبدا لأنه ليس بصفة لك ولا لأحد ولا ذات وإن شئت أن تحقق هذا فانظر إلى كيفية حصول العلم في العالم أو حصول صورة المرئي في الرائي فليست وليس غيرها فانظر إلى درجات حروف لا ريب فيه هدى للمتقين ومنازلها على حسب ما نذكره بعد الكلام الذي نحن بصدده وتدبر ما بثثته لك وحل عقدة لام الألف من لا ريب تصير ألفان لأن تعريقة اللام ظهرت صورتها في نون المتقين وذلك لتأخر الألف عن اللام من اسمه الآخر وهي المعرفة التي تحصل للعبد من نفسه في قوله ع من عرف نفسه عرف ربه فقدم معرفة اللام على معرفة الألف فصارت دليلا عليه ولم يمتزجا حتى يصيرا ذاتا واحدة بل بان كل واحد منهما بذاته ولهذا لا يجتمع الدليل والمدلول ولكن وجه الدليل هو الرابط وهو موضع اتصال اللام بالألف فاضرب الألفين اا أحدهما في الآخر تصح لك في الخارج ألف واحدة آ وهذا حقيقة الاتصال كذلك اضرب المحدث في القديم حسا يصح لك في الخارج المحدث ويخفى القديم بخروجه وهذا حقيقة الاتصال والاتحاد وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة وهذا نقيض إشارة الجنيد في قوله للعاطس إن المحدث إذا قورن بالقديم لم يبق له أثر لاختلاف المقام ألا ترى كيف اتصل لام الألف من لا ريب فيه من الكرسي فبدت ذاتان لا جهل سر العقد بينهما ثم فصلهما العرش عند الرجوع إليه والوصول
(٦٣)