علم به فما من زمان نقدره إلا ويجوز تغيير ما وضع فيه من الأمور فإن لم يكن فبإرادة الواضع لا بنفسه وما كان بهذه المثابة لا يكون القائل بوقوعه على علم قطعي ولو وقع فإنه لا يعرف ما في نفس الواضع إلا بجهتين إما أن يكون هو المعرف بما في نفسه وهو الصادق وأما بعد ظهور الشئ فيعلم أنه لولا ما كان في نفس الواضع ما وقع والواضع هو الله تعالى وجل فالعالم المؤمن يقول في مثل هذا إن أبقى الله الترتيب على حاله وسيره في المنازل على قدره ولم يخرق العادة فيه فلا بد أن يقع هذا الأمر الذي ذكرناه فلهذا ينفي العلم عن المنجم وكل ما هو مثله من حظ الرسل وغيره فضوء القمر لما كان مستفادا من الشمس أشبه النفس في الأخذ عن الله نور الايمان والكشف وإذا كملت النفس وصح لها التجلي على التقابل وهي ليلة البدر ربما التفتت إلى طبيعتها فظهرت فيها ظلمة طبيعتها فحالت تلك الظلمة بينها وبين نورها العقلي الإيماني الإلهي كما حال ظل الأرض بين القمر الذي هو بمنزلة النفس وبين نور الشمس فعلى قدر ما نظرت إلى طبيعتها انحجبت عن نور الايمان الإلهي فذلك كسوفها فهذا كسوف القمر وأما كسوف الشمس فهو كسوف العقل فإن الله خلقه ليعقل عن الله ما يأخذ عنه فحالت النفس التي هي بمنزلة القمر بينه وبين الحق تعالى من حيث ما يأخذ عنه من اسمه النور سبحانه من كون نسبته إلى الأرض من قوله وهو الله في السماوات وفي الأرض وقوله وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله فيريد العقل أن يأخذ عن الحق من علم ما يوجده في الأرض فتحول النفس بينه وبين علم ما يوجده في الأرض بشهواتها حتى لا ينظر إليه سبحانه فيما يحدثه فيها والأرض عبارة عن عالم الجسم فيحجب العقل لحجاب النفس الحيوانية الشهوانية فذلك بمنزلة كسوف الشمس فلا تدركها أبصار الناظرين ممن هو في تلك الموازنة ويفوت العقل من العلم بالله بقدر ما انحجب عنه من عالم الأجسام فلهذا شرع الله التوجه إلى مناجاته المعبر عن ذلك بصلاة الكسوف وشرع الدعاء لرفع ذلك الحجاب فإن الحجاب جهل وبعد في الحال الذي ينبغي له الكمال ولهذا لم يكن الكسوف إلا عند الكمال في النيرين في القمر ليلة بدره وهو كماله في الأخذ من الوجه الذي يلينا وكسوف الشمس في ثمانية وعشرين يوما من سير القمر في جميع منازل الفلك فلما وصل إلى نهايته وأراد أن يقابل الشمس من الوجه الآخر حتى يأخذ عنها على الكمال في عالم الأرواح مثل أخذه في الرابع عشر في عالم الأجسام النازل ليفيض من نوره على أبصار الناظرين إنعاما منه فاشتغلت الشمس بإعطائها النور للقمر في عالم الأرواح العالم العلوي إسعافا لطلبته وإكراما لقدومه عليها في حضرتها كان الكسوف لهذا الإسعاف ولهذا لا يكون للكسوفات حكم في الأرض إلا في الأماكن التي يظهر فيها الكسوف وأما الأماكن التي لا يظهر فيها الكسوف فلا حكم يظهر فيها له ولا أثر أي ما يفعل الله عند ذلك شيئا في العالم من الكوائن التي يفعلها عند ظهور الكسوف إذ لا فاعل إلا الله فإن الأمور بتقدير العزيز العليم صنعة حكيم حتى إن الشمس إذا أعطى الحساب أنها تكسف ليلا لم يكن لذلك الكسوف حكم في ظاهر الأرض التي لم يظهر الكسوف فيها وكذلك كسوف القمر في الحكم فكذلك ظاهر الإنسان وباطنه فقد يقع الكسوف في الأعمال أي في العلم الذي يطلب العمل بالأحكام المشروعة وقد يقع في العلوم التي تتعلق بالباطن ولا حكم لها في الظاهر فتؤثر في موضع تعلقها إما في علم العمل وإما في العلم الذي لا يطلب العمل بحسب ما يقع فيتعين على من تكون حالته مثل هذه أن يتضرع إلى الله فإن أخطأ المجتهد فهو بمنزلة الكسوف الذي يكون في غيبة المكسوف فلا وزر عليه وهو مأجور وإن ظهر له النص وتركه لرأيه أو لقياسه الجلي في زعمه فلا عذر له عند الله وهو مأثوم وهو الكسوف الظاهر الذي يكون له الأثر المقرر عند علماء الأحكام بسير الكواكب وأكثر ما يكون هذا في الفقهاء المقلدين الذين قالوا لهم لا تقلدونا واتبعوا الحديث إذا وصل إليكم المعارض لما حكمنا به فإن الحديث مذهبنا وإن كنا لا نحكم بشئ إلا بدليل يظهر لنا في نظرنا إنه دليل وما يلزمنا غير ذلك لكن ما يلزمكم اتباعنا ولكن يلزمكم سؤالنا وفي كل وقت في النازلة الواحدة قد يتغير الحكم عند المجتهد ولهذا كان يقول ما لك إذا سئل في نازلة هل وقعت فإن قيل لا يقول لا أفتى وإن قيل نعم أفتى في ذلك الوقت بما أعطاه دليله فأبت المقلدة من الفقهاء في زماننا أن توفي حقيقة تقليدها لإمامها باتباعها الحديث الذي أمرها به إمامها وقلدته في الحكم مع وجود المعارض فعصت الله في قوله وما آتاكم الرسول فخذوه وعصت الرسول
(٤٩٩)