ما إذا لم يعرف هنا لم يكن مشاهدا هناك كذاته وصفاته ومجاليها التامة وأسمائه الحسنى وأمثاله العليا.
واما الآخرة بمالها من الخصوصيات فسواء عرفها هنا أو جهلها تكون مشهودة لأهل النشأة الآخرة عيانا قال (تعالى) (ثم لترونها عين اليقين) (1) فافهم جيدا.
واما الثاني، فلا دليل عليه عقلا ولا نقلا بل الدليل على الالتزام به اجمالا إذا لم يعرف تفصيلا وأما الالتزام به تفصيلا إذا علم به كذلك، وأما تحصيل معرفته تفصيلا فلا، والكلام فيه لا في الأول.
وأما أن عدم الالتزام فيما ذكر سبب مستقل للكفر أو راجع إلى عدم الالتزام بالرسالة ففيه كلام بين الاعلام، وربما يستظهر الأول نظرا إلى حكم المشهور بكفر النواصب مع أن مودة ذي القربى ليس عند النواصب ضرورية، بل يتقربون ببغض أمير المؤمنين (ع) فكيف يرجع إلى تكذيب الرسول (ص) في رسالته، لكنك قد عرفت فيما تقدم (2) أن ايجاب بعض الأمور للخلود في الجحيم ليس من باب انكاره تعالى أو انكار رسوله (ص) بل معاداة الحق عند تمامية الحجة وان لم ينظر فيها موجبة للاحتجاب عن الحق.
فالمعادي والمعاند للحق بنفس معاداته ومعاندته للحق محجوب عن الحق ومحروم عن ينبوع الحياة الأبدية وتمام الكلام في محله.
واما الثالث، فنقول المعرفة والعلم بالنشأة الآخرة وأحوالها وأهوالها واسرار الطاعات وكيفية تأثيرها وكذا المعاصي والملكات الفاضلة والرذيلة وكيفية تأثير التوبة وتطهيرها للنفس وسر الشفاعة وانها تختص باهلها كل ذلك لها دخل عظيم في فعل الطاعة والمواظبة عليها والتجنب عن المعاصي والرغبة التامة في تخلية النفس عن الرذائل وتحليتها بالفضائل واكتساب المعارف الإلهية، بل مر منا مرارا ان دعوة التكاليف متقومة باستحقاق العقاب على الفعل أو الترك في غالب النفوس إلا أن الالتزام الجدي بالواقع ولو لم يعلم به تفصيلا يكفي في دعوة النفس إلى فعل كل واجب عملي أو غيره، وكذا إلى ترك كل حرام، كيف