يخاف منه ولا ينام عنده وحده، وليس ذلك إلا لغلبة سلطان الوهم، فكذا من حصل له العلم بأمر حق من مبدء أو معاد فإنه إذا غلبت عليه قوته الوهمية لرسوخ الملكات الرذيلة وأعانها حب الجاه والرئاسة فإنه تحدث في نفسه شبهات وتمويهات تروجها قوة الشيطنة إلى أن يزيل أثر اليقين بل إلى أن يضعف اليقين بل يزيله فان نور اليقين كنور الباصرة فإنه بسبب تراكم الدخان يزول أثره بل يضعف إلى أن يزول فكذا بسبب تراكم الشبهات والتمويهات تزول تلك الهيئة النورانية وتقوم مقامها هيئة ظلمانية شديدة راسخة.
فان العلم الحاصل من غير البرهان قابل للزوال بالتشكيكات سواء كانت من الغير أو من القوة الوهمية المعودة على دفع الحق بالأباطيل، فان عدم احتمال الخلاف في مثل هذا العلم بعدم الالتفات إلى موجبه ومقتضيه لا بالالتفات إليه وعدم الاحتمال لقوة مقتضى العلم فهو علم في حد ذاته وبأدنى التفات إلى مقتضيات التشكيك الحاصلة من الغير أو من القوة الوهمية يتشكك، فلا منافاة بين كونه عالما طبعا ومحتملا للخلاف أو معتقدا له بأدنى تصرف من القوة الوهمية أو من الغير، وهذا البيان في دفع الشبهة أولى من حمل اليقين على اليقين بالاقتضاء، لتمامية الحجة عليهم وإن لم ينظروا فيها ليحصل لهم اليقين الوجداني فعلا فإنه خلاف الظاهر بل خلاف الواقع أيضا، ويمكن أن يقال في دفع الشبهة أيضا بأن المراد من الجحود هو الجحود لسانا لكنه باعتبار انبعاثه إلى رذيلة باطنية وهي معاندته للحق ومعاداته للرسول (ص) تحفظا على الجاه واستكبارا على الله وعلى الرسول.
ومن الواضح أن المعاند للحق باطنا والمعادي للرسول قلبا محتجب عن الحق وعن نور الايمان فان الايمان بالبعض والكفر ببعض كالكفر المطلق، فكفر الجاحد غير مستند إلى عدم تصديقه جنانا، لما مر من ملازمته للعلم واليقين ولا لعدم عقد القلب فرضا وبناء لعدم الاهتمام بشأنه بعد عقد القلب حقيقة وربطه واقعا بما اعتقد به، بل لمعاندته قلبا مع الحق ومعاداته باطنا مع الرسول وهما موجبان للكفر والاحتجاب عن الحق وعن الرسول هذا قليل من كثير مما ينبغي بيانه، والله المستعان.