الا مجرد الحسن واستحقاق المدح على فعله بمراتبه، وليس ترك كل تعظيم واحسان قبيحا إلا إذا كان ظلما من حيث كونه كفرانا، وليس ترك كل إحسان ولا ترك الاحسان إلى المحسن علما عليه نعم: الإسائة خصوصا إلى المحسن ظلم فيشتد قبحه بالإضافة إلى المحسن إليه فالجهل بالمنعم أو عدم التخضع له قلبا أو عدم القيام خارجا بوظائف المجازاة بالاحسان ليس الا ترك ما هو حسن بذاته إذ ليس من هذه الحيثية عقلا فرق بين منعم ومنعم، والأمر في غيره (تعالى) كذلك ففيه تعالى أيضا من هذه الحيثية على ما مر، مضافا إلى أن الاستناد في تحصيل المعرفة إلى وجوب شكر المنعم عقلا إنما يجدى بعد الفراغ عن انتهاء النعمة إلى مبدء موجود ليتحقق موضوع شكر المنعم ليجب عقلا، فهو إنما في معرفته من حيث كيفية وجوده وصفاته لا في التصديق بوجوده.
وربما يستند في وجوب شكر المنعم الذي هو الأصل في وجوب المعرفة إلى قاعدة عقلية أخرى وهي قاعدة دفع الضرر المحتمل لاحتمال الضرر في ترك الشكر، إما لكمال عقل المنعم عليه، أو لبلوغ دعوة نبي زمانه المقيد به وجوب الشكر عقلا في كلماتهم، فإذا احتمل وجوب شكر مخصوص معين من قبل المنعم بالإضافة إلى كل نعمة بما يناسبها حتى نعمة القلب بتحليتها بالمعرفة نظرا إلى أن الشكر صرف النعمة فيما خلقت لأجله.
فلا محالة يحتمل العقاب على ترك تلك الوظيفة المعينة من قبل المنعم فيجب دفعه عقلا، وأما مجرد زوال النعمة فليس مما يتعقله عقاب ولا مما يستقل العقل بدفعه إلا أن نتيجة هذا الاستدلال ليس وجوب الشكر بما هو شكر عقلا بل بما هو ترك واجب شرعي كسائر الواجبات المولوية فلا يحتاج الالتزام بتحصيل المعرفة إلى الالتزام بوجوب الشكر لاحتمال وجوبه مولويا.
فان نفس الاحتمال كما سيجيئ (انشاء الله تعالى) متحقق في نفس وجوب تحصيل المعرفة بعنوانها، مضافا إلى ما مر وسيجيئ أيضا أن دفع الضرر المحتمل بل المقطوع به لا إلزام به عقلا ولا يندرج تحت قاعدة التحسين والتقبيح العقليين، لما مر مرارا من عدم كون الاقدام على محتمل العقاب أو