ثانيتها (1): المعرفة الحاصلة بالبرهان فصاحبها منشرح القلب بنور المعرفة حقيقة وله السعادة بالأصالة والاستقلال، وربما يقال انها مستحيلة الزوال لانبعاثها عن البرهان الذي لا يعقل له زوال.
ثالثتها: المعرفة الشهودية المعبر عنها بعين اليقين المنبعثة عن مكاشفات روحية بإمداد إلهي وتعريف رباني.
وفوق هذه المرتبة مرتبة حق اليقين وهي مرتبة الاستغراق في شهود نور العظمة والكبرياء ومقام الفناء في الله والبقاء به، إذا عرفت معنى الايمان فالكفر يقابله، تارة بتقابل العدم والملكة وهو الجهل بالله تعالى وبما يجب معرفته - وأخرى يتقابل التضاد وهو اعتقاد خلاف الحق والواقع المعبر عنه بالجهل المركب، ففي كليهما الاحتجاب عن نور الايمان بالله وبرسوله، إما بنفس عدم النور أو بما يضاد ذلك النور، والكفر في أصل معناه الستر والاحتجاب.
وأما الشبهة المتقدمة الباعثة على الالتزام بأمر قلبي اخر في قبال المعرفة الذي قد عرفت أن حقيقته لا يتجاوز الفرض والبناء القلبي باحضار صوره أمر حق أو باطل، فتحقيق دفعها أن النفس في بدء فطرتها جوهر قابل لأن يتجلى فيه صور حقايق الأشياء فهو في حد ذاته عقل هيولائي، وبالتعقل يصير عقلا بالفعل لكنها إما بالذات أو بالعرض متفاوتة في غلبة سلطان العقل فيه على سلطان الوهم وبالعكس، فإذا غلب سلطان العقل فيه كان باكتسابه المعقولات الدائمة الفاضلة من العلم بالله وبصفاته وأفعاله وبرسله وبكتبه وباليوم الاخر جوهرا عقلانيا نورانيا خارجا عن أفق الانسان الطبيعي البشرى إلى أفق الملأ الأعلى والملائكة المقربين، وإذا غلب عليه سلطان الوهم الذي فعله الشيطنة والتموية والتلبيس والأغاليط والأكاذيب ودفع الحق بالتشكيكات الوهمية.
فلا محالة يكون بتراكم الوهميات ورسوخ الشبهات شيطانا من جملة الشياطين، ومن البين عند كل ذي وجدان أن غلبة الوهم ربما يزيل أثر اليقين، كما في تخلية صاحب الوهم الغالب بالميت فإنه مع علمه بأنه لا يعود حيا عادة ولو فرض لا يكون أقوى منه ولو فرض من جملة أحبائه وأخلائه، ومع هذا كله