مشتملا على مفسدة عامة يختل بها النظام، ولذا عم الاعتراف بهما من الجميع أمر مدرك بحسب تفاوت أفراد الاحسان والإسائة من حيث تعلقهما بما يناسب قوة من القوى.
وكذا كون كل عاقل محبا لنفسه ولما يرجع إليه وجداني يجده كل انسان من نفسه، وكذا كون كل مصلحة ملائمة للشخص وكل مفسدة منافرة له أيضا وجداني يجده كل إنسان عند مساس المصلحة والمفسدة به، فلا محالة يحب الإحسان ويكره الإسائة، وهذا كله من الواقعيات ولا نزاع لأحد فيها، انما النزاع في حسن العدل وقبح الظلم بمعنى صحة المدح على الأول وصحة الذم على الثاني، والمدعى ثبوتهما بتوافق آراء العقلاء لا ثبوتهما في الفعل على حد اشتماله على المصلحة والمفسدة.
ومن الواضح: أن اقتضاء الفعل المحبوب والفعل المكروه للمدح والذم على أحد نحوين:
إما بنحو اقتضاء السبب لمسببه والمقتضى لمقتضاه، أو بنحو اقتضاء الغاية لذي الغاية.
فالأول: فيما إذا أساء إنسان إلى غيره، فإنه بمقتضى ورود ما ينافره عليه وتألمه منه ينقدح في نفسه الداعي إلى الانتقام منه والتشفي من الغيظ الحاصل بسببه بذمه وعقوبته، فالسببية للذم هنا واقعية وسلسلة العلل والمعلولات مترتبة واقعا.
والثاني: فيما إذا كان الغرض من الحكم بالمدح والذم حفظ النظام وبقاء النوع بلحاظ اشتمال العدل والاحسان على المصلحة العامة والظلم والعدوان على المفسدة العامة فتلك المصلحة العامة تدعو إلى الحكم بمدح فاعل ما يشتمل عليها وتلك المفسدة تدعو إلى الحكم بذم فاعل ما يشتمل عليها، فيكون هذا التحسين والتقبيح من العقلاء موجبا لانحفاظ النظام ورادعا عن الاخلال به، وما يناسب الحكم العقلائي الذي يصح نسبته إلى الشارع بما هو رئيس العقلاء هو القسم الثاني، دون الأول الذي لا يناسب الشارع بل لا يناسب العقلاء بما هم