ظلماني فان كان نورانيا فما معنى اخراج المؤمن من الظلمات، وإن كان ظلمانيا فما معنى اخراجه من النور.
إذا عرفت هذه المقدمات، فاعلم: أن الجاهل القاصر بالجهل البسيط: وإن صدق عليه انه غير عارف ولا عالم حيث إن الشئ لا يخرج عن طرفي السلب والايجاب إلا أنه حيث ليس من شأنه العلم كما عرفت فليس هو جاهلا في الحقيقة وعدم العلم بهذا المعنى ليس مما يتألم به.
لما عرفت من أن غير الملتفت إلى كمالية الشئ بوجه لا يتألم بفقده وحيث إن جهله بهذا المعنى ليس اكتسابيا فليس فيه جهة ظلمانية بل ليس فيه إلا الظلمة الذاتية من حيثية، والنورانية الذاتية من حيثية أخرى، فلا جهله بالمعنى المزبور مما يتألم به في النشاء الآخرة ولا الظلمة الطبيعية أمر ما وراء ذاته، ولا هو مناط العقوبة الأخروية، ففي الحقيقة ليس في الجاهل القاصر الا عدم مالا يتألم بفقده.
وأما الجاهل القاصر بالجهل المركب: فمن حيث عدم الاعتقادات الحقة قد عرفت حاله، ومن حيث الاعتقادات الباطلة الناشئة من عدم الالتفات إلى حق سواه يرجع امره إلى أنه معتقد للحق ومخطئ في التطبيق حيث إنه لا يرى حقا سواه (1) لعدم التفاته أو لقصوره عن تصور حق سواه فهو غير معاند للحق، فالحق صورة اعتقاده ذاتا وما أخطأ في تطبيقه عليه مطابقة بالعرض، والعرضي يزول والذاتي لا يزول، فلا ظلمة اكتسابية ذاتية له حتى يحترق بها، هذه خلاصة الكلام فيما يقتضيه القواعد البرهانية الموافقة لما ورد في الشريعة الحقة الإلهية الناطقة بان المستضعف ليس بمؤمن ولا بكافر، وفسر المستضعف في رواية الكافي (2) عن الباقر (ع) هو الذي لا يستطيع حيلة يدفع بها الكفر ولا يهتدى بها إلى سبيل الايمان.
وفى الكافي (3) عن الكاظم (ع) قال سئلته عن الضعفاء فكتب إلى: الضعيف من لم ترفع إليه حجة ولم يعرف اختلاف الناس فإذا عرف الاختلاف فليس بمستضعف، هذا فتدبر.