فلأن العبادات كما مر سابقا توجب صقالة مرآة النفس بتكررها فيتجلى المعارف وصور حقايق الأشياء كلها فيها بمقدار صفاء المادة وقبولها لإفاضة الصور العلمية من واهب الصور.
واما التقريب الثاني: فلان المعرفة وإن كانت بنفسها غاية للخلق لا انها من حيث كونها غاية للعبادة إلا أن من البديهي أن غاية خلق الخلق ليست المعرفة بذلك المقدار اللازم في باب الخلود وجودا وعدما، كيف والا لزم في تشريع الشرايع والاحكام الاقتصار على الالزام بذلك المقدار، بل المعارف بمراتبها - سواء حصلت بمقدمات برهانية أو بغيرها أو بالمواظبة على الطاعات كلها - غاية مقصودة ومتعلقة للغرض على التفصيل المتقدم، فالآية بناء على هذا التقريب مسوقة لبيان أن المهم في نظره (تعالى) من خلق العباد حصول المعرفة منهم بمراتبها كما قيل أن الأعمال مقدمة للأحوال وان الأحوال مقدمة للمعارف، لان الباقي في النشأة الآخرة هي نفس بمالها من الهيئات النورانية أو الظلمانية والحركات الأينية والوضعية والألفاظ الغير القارة لاقرار لها في هذه الدار فضلا عن تلك الدار، وعليه فلا دلالة للآية على وجوب خصوص معرفة كما لا دلالة على وجوب عمومها.
ثم اعلم أن لازم كون العبادة بنفسها أو المعرفة كذلك غاية لخلق الجن والإنس أن تكون الغاية ضرورية الحصول لا ضرورية التحصيل.
والكلام في الثانية مع أن الأولى غير مترتبة أيضا إلا بالرجوع إلى العبادة الذاتية والمعرفة بمعنى التجلي الافعالي وهو خلف، ويندفع الاشكال بان المراد حصول المعرفة والعبادة تسبيبا وتشريعا لا تكوينا كما دلت عليه الروايات الواردة من أهل بيت الوحي والتنزيل (سلام الله عليهم)، فعن الصادق عليه السلام انه سئل عن هذه الآية، فقال (ع) خلقهم ليأمرهم بالعبادة قيل قوله تعالى (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم (1) قال خلقهم ليفعلوا ما يستوجبون به رحمته فيرحمهم (2)، وفى تفسير على بن إبراهيم