ومن المعلوم أن حكم العقل بالتنزل من الإطاعة العلمية إلى الظنية لا من حيث مطلوبية صفة الظن بالإطاعة في نفسه لكيلا تتفاوت فيه افراد الظنون بل لأجل مراعاة الاحكام الواقعية المعلومة بالاجمال.
وانما يكتفى بالإطاعة الظنية لأجل غلبة إتيان الواقعيات في ضمن المظنونات لغلبة مصادفتها واقعا.
فإذا فرض أن صنفا مخصوصا من الظن غالب المخالفة مع الواقع واقعا في نظر العقل فلا محالة لا يرى موافقته للأحكام الواقعية غالبا حتى يستقل بالتنزل إلى مثل هذه الإطاعة الظنية، بل يستقل بالإطاعة الظنية بالظنون الأخر التي بمقتضى طبعها غالب المصادفة مع الواقع، وكما أن هذه الخصوصية إذا استقل بادراكها العقل يستقل بالتنزل إلى الإطاعة الظنية بغير الصنف المتخصص بتلك الخصوصية كذلك إذا كشف عنها الشارع، فما به التفاوت تلك الخصوصية المنكشفة بمنع الشارع لا نفس منعه، فتمام ملاك الحجية في نظر العقل غلبة الإصابة شخصا ونوعا، لا خصوص الأولى المقومة لكل ظن.
لا يقال: إذا كان هم العقل الاتيان بالواقع فحيث يظن بالواقع فهو مع قطعه بان صنف هذا الظن غالب المخالفة للواقع يظن بأن هذا الظن شخصا من الافراد النادرة الموافقة للواقع فكيف يرفع اليد عنه.
لأنا نقول: ليس ترك موافقة الواقع في شخص ظن تحفظا من الوقوع في خلاف الواقع لعدم تميز الافراد الغالبة من النادرة أمرا مستنكرا.
بل يرى العقل أنه من اللازم عدم موافقة هذا الصنف من الظن، فإنه وإن كان بحسب الصورة إطاعة للأحكام ظنا لكنه بحسب الواقع إضاعة للأحكام نوعا.
هذا كله فيما إذا كان النهى عن الظن القياسي نهيا طريقيا لم يلحظ فيه إلا غلبة مخالفته للواقع.
وأما إذا كان نهيا نفسيا حقيقيا منبعثا عن مفسدة في العمل بالظن القياسي كالأمر بالعمل بالخبر بناء على الموضوعية والسببية، حيث يكشف عن مصلحة في العمل به بعنوان عرضي وان لم يكن مؤداه ذا مصلحة في حد ذاته.