المفارق، والعرض مطلقا لا يكون ذاتيا لموضوعه كما هو واضح.
كما انا ذكرنا غير مرة (1) أن المراد من العلية والاقتضاء هو اقتضاء الموضوع لحكمه بنحو اقتضاء الغاية لذي الغاية لا بنحو اقتضاء السبب لمسببه، بداهة ان الحكم لا يترشح من موضوعه بل السبب الفاعلي له هو الحاكم.
وانما الموضوع لمكان الفائدة المترتبة على وجوده يدعو الحاكم إلى الحكم عليه، فبعض الموضوعات حيث إنه يترتب عليها بنفسها مصلحة عامة أو مفسدة عامة تدعو العقلاء إلى الحكم بحسنها أو قبحها، ولا محالة لا تتخلف الحكم عن موضوعه التام فيعبر عنه بالعلية التامة.
وبعضها حيث إنه يترتب عليها المصلحة العامة أو المفسدة العامة لو خليت ونفسها لاندراجها كذلك تحت عنوان محكوم بنفسه بالحسن والقبح فيعبر عنه بالاقتضاء لمكان اندراجه بلحاظ العوارض تحت عنوان اخر محكوم بضد حكم عنوانه لو خلى ونفسه، والا ففي الحقيقة لا علية (2) ولا اقتضاء، وحيث إن المصلحة العامة قائمة بالعدل والمفسدة العامة قائمة بالظلم فالصدق بما هو عدل ذو مصلحة عامة والكذب بما هو جور ذو مفسدة عامة.
لا أن الصدق مقتض للمصلحة واندراجه تحت عنوان العدل شرط لتأثيره فيها، وأن إهلاك المؤمن مانع عن تأثيره في المصلحة العامة، وليست المعنونات بالإضافة إلى عناوينها مقتضيات بالنسبة إلى مقتضياتها، حيث لا جعل ولا تأثير ولا تأثر بينها، فاتضح انه لا علية ولا اقتضاء حقيقة في شئ من المراتب لا من حيث العناوين ومعنوناتها، ولا من حيث المصالح والمفاسد العامة بالنسبة إلى الصدق والكذب، ولا من حيث العناوين الذاتية والعرضية بالإضافة إلى الحسن والقبح العقليين، فتدبر جيدا.
وبعد ما عرفت حقيقة التحسين والتقبيح العقليين ومعنى كونهما ذاتيين أو عرضيين فلا بأس بالإشارة إلى الملازمة بين حكمي العقل والشرع وبيان المورد القابل للحكم المولوي وعدمه.