الأمر بالفحص كون هذا الواصل ايصالا للطريق تشريعا لا تكوينا وتنزيلا لا حقيقة.
ومنه تعرف أن المنجز للطريق نفس هذا الأمر لا احتمال الواقع أو احتمال الطريق كما أنه تعرف أنه يستحيل ترتب العقاب على ترك الفحص ولو من حيث استلزامه لمخالفة الواقع، فان هذا المعنى شأن نفس الطريق حيث يكون العمل به نفس اتيان ما تكفل لوجوبه، فان التصديق العملي للخبر ليس إلا بفعل صلاة الجمعة مثلا ففي مثله يصح أن يقال إنه لا فرق بين القول باستحقاق العقاب على مخالفة الواقع والقول باستحقاقه على مخالفة الطريق، بخلاف الأمر بالتفقه بالفحص الذي لا شأن له إلا ايصال الطريق تشريعا وتنزيلا فتدبره فإنه حقيق به.
والتحقيق: أن ما ذكرنا وإن كان كافيا في تنجيز الواقع الذي عليه طريق واقعا ويستحق على مخالفته العقاب لا على ترك الفحص وترك التفقه من دون محذور، إلا أن ظاهر الأخبار الآمرة بالتفقه والتعلم أن المطلوب بها هو التفقه والتعلم وأن الايجاب حقيقي لا بداعي ايصال الواقع أو الطريق، وتصحيحه بحيث يكون الأمر متكفلا لتكليف عملي بلا لزوم محذور يتوقف على تمهيد مقدمة هي أن الغرض من الواجب غير الغرض من الايجاب، فان أغراض الواجبات وهي مصالحها مختلفة والغرض من الايجاب دائما هو جعل الداعي، سواء كان الواجب تعبديا أو توصليا، وسواء كان نفسيا أو غيريا مقدميا وأيضا ليس تفاوت الواجب النفسي مع الغيري أن الغرض من الأول مطلوب ومحبوب بذاته وأن الغرض من الثاني التوصل إلى ذلك المحبوب الذاتي، فانا قد بينا في مباحث الألفاظ (1) أن النفسي بهذا المعنى منحصر في معرفة الله تعالى و إلا فما عداه من الواجبات يكون أغراضها مقدمة لغرض أقصى إلى أن ينتهي إلى الغاية الحقيقية وهي المعرفة.