فإن أريد كونه ملاكا في نظر العقل فيكون ملاكا في نظر الشارع، لأن الحكم الشرعي تابع للمصالح والمفاسد الواقعية، لا للأغراض النفسانية والاقتراحات الغير العقلائية، ففيه: أنه قد تبين عدم كونه من العناوين ذوات المصلحة والمفسدة بقسميها في نظر العقل، فلا ملاك من هذه الجهة في نظر الشارع كي يحكم على طبقه.
وإن أريد كونه ملاكا في نظر الشارع وإن لم يدركه العقل، لقصوره عن الإحاطة بجميع الخصوصيات ففيه: أن الفعل إذا كان ملاكه معلوما وكان الملاك مثل عنوان المقطوع عنوانا محضا لا غرضا خارجيا قائما بذات الفعل، كما هو المفروض، فلا بد أن يصدر بما له من الملاك المعنون به الفعل عن اختيار، والقطع حيث إنه في مرحلة الامتثال ملحوظ آلي لا استقلالي فلا يكاد يصدر الفعل بما هو مقطوع الوجوب والحرمة بالاختيار فلا يتصف بالحسن والقبح عقلا، كما لا يتصف بالوجوب والحرمة شرعا.
ودعوى: أن القطع صفة حاضرة بنفسها، فلا حاجة في حضورها إلى الالتفات إليها استقلالا وإلا لزم سد باب القطع الموضوعي.
مدفوعة: بأن عنوان مقطوع الوجوب والحرمة إذا كان عنوانا للفعل وموردا للتكليف، فلا بد من أن يصدر بعنوانه بالاختيار، ولا يجدي مجرد وجوده، ولا يقاس بالقطع الموضوعي، فإنه عنوان الموضوع لا لمتعلق التكليف فلا يلزم منه سد باب القطع الموضوعي.
نعم، احتمال ملازمة هذا العنوان لملاك واقعي قائم وصدوره بما له من العنوان عن قصد غير لازم، كيف والأحكام الشرعية الغير المستندة إلى الأحكام العلقية لها ملاكات واقعية، وهي غالبا مجهولة، وموضوعاتها اختيارية بنفسها، لا بعناوينها المنتزعة عن ملاكاتها؟ ولا دافع لهذا الاحتمال إلا عدم معقولية البعث بعد البعث، إذ الغرض من البعث جعل الداعي للعبد، وبعد القطع به ولو كان مخالفا للواقع لا مجال لجعل الداعي، فإنه تحصيل للحاصل، مضافا إلى لزوم اجتماع المثلين في نظر القاطع، وإن لم يلزم في الواقع، فيلزم لغوية الحكم حيث