ولا يؤثر الاحتمال الراجح، والمفروض عدم خصوصية في طرفهما، فهذه المقدمة الخامسة لبيان هذا المعنى الجبلي الطبيعي، فالتعبير بالقبح هنا كالتعبير باللزوم في قولهم بلزوم دفع الضرر المظنون عقلا.
قلت: أولا أن هذا عين القول بالتبعيض في الاحتياط دون حجية الظن على الحكومة إذ الأثر المترقب من الحجية وهو تنجز الواقع على تقدير وجوده في ضمن المظنونات مفروض الحصول، فلا معنى لحجية الظن عقلا بل خصوصية الظن بالعقاب عند الدوران توجب تعين المظنونات للاحتياط. وتوهم الحكومة بتقريب أنه بعد تحقيق المقدمات المفروض فيها تنجز الواقع يستقل العقل بلزوم الإطاعة الظنية وتقدمها على الإطاعة الاحتمالية والوهمية بعد عدم التمكن من الإطاعة العملية.
مدفوع: بأنه بعد تنجز الواقع بوصول التكليف تفصيلا أو إجمالا بحكم العقل باستحقاق العقاب على مخالفة التكليف الواصل لا حكم اخر من العقل في باب الإطاعة والامتثال، بل بعد تحقق العقاب في مخالفة التكليف يفر كل عاقل ذي شعور عن العقاب المقطوع أو المظنون أو المحتمل، وبعد عدم امكان الفرار من العقاب على أي تقدير والتردد بين المظنون وغيره فلا محالة يفر من المظنون دون غيره.
وثانيا: إن قلنا بتنجز الاحكام المعلومة بالعلم الاجمالي أو بايجاب الاحتياط شرعا طريقيا وكانت المقدمات مضيقة لدائرة التنجز إلى أن دار الأمر فيه بين المظنونات والمشكوكات والموهومات، صح دعوى ان المظنونات يظن بالعقاب فيها والمشكوكات يحتمل العقاب فيها والموهومات يحتمل العقاب فيها احتمالا مرجوحا، فالمقدمات الأربعة تحقق صغرى مظنون العقاب ومحتمله، فيصح الإتكال إلى مقتضى الجبلة والطبع.
وإما إذا قلنا بعدم منجزية العلم الاجمالي وعدم ايجاب الاحتياط الطريقي شرعا لما ذكرنا من المحاذير، وأن مقتضى المقدمة الثالثة العلم بعدم رفع اليد عن الاحكام بجعلها فعلية على أحد الوجوه، إما فعلية على أي تقدير يقتضى الاحتياط التام أو فعلية على طبق الأصول الموردية أو فعلية على طبق المظنون.