وثالثا: سلمنا كونه إرشادا إلى الأقربية لكنه غير متكفل لحجية الخبر لا جعلا ولا كشفا، إذ المفروض عدم كونه بصدد جعل الحجية ولا بداعي إظهار تنجز الواقع بل بداعي الإرشاد إلى الأقربية، وكون الخبر واقعا أقرب من غيره لا يقتضى عدم تحصيل العلم واستحقاق العقاب على عدم العمل بالخبر إلا بدلالة الاقتضاء، وهو أنه إن لم يكن للخبر الأقرب إلى الواقع شأن وأثر لم يكن معنى لقيامه مقام الإرشاد إلى الأقربية، لكونه لغوا، لكنه غير مفيد، لأن الكلام في الدليل المتكفل لحجية الظن ورفع التماثل والتضاد عنه مع كونه كذلك والأولى بعد فرض الإرشاد جعل الانشاء بداعي الإرشاد إلى ما في تصديق العادل والأخذ به واستماع قوله من الخروج من تبعه رده وعدم العمل على طبقه فيكشف بدلالة الاقتضاء عن حجيته، إلا أن الكلام بعد في أن الحجية في مقام الثبوت بأي معنى حتى لا يلزم منه اجتماع المثلين أو الضدين، فمجرد حمل الإنشاءات على الارشادية لا يجدى شيئا، فتدبر جيدا.
59 - قوله: لأن أحدهما طريقي عن مصلحة في نفسه (1) الخ:
في قبال المصلحة في المؤدى، ولا يخفى عليك أن الطريقية متقومة بعدم مصلحة ما وراء مصلحة الواقع في متعلقه لا بكون نفسه ذا مصلحة وإلا فالانشاء مطلقا يكون الغرض منه قائما به، وهو تارة، جعل الداعي وأخرى، جعل المنجز مثلا - وهو غير الغرض من الواجب وهي المصلحة القائمة بذات الواجب، وحيث إنه ليس في مورد الأمر الطريقي مصلحة زائدة على مصلحة الواقع فلا يعقل أن يكون في مورده إرادة تشريعية أخرى، فلا يعقل أن يكون في مورده بعث أخرى، فلا محالة يكون الإنشاء بداعي تنجيز الواقع لا بداعي البعث مثلا.
وحيث إن البعث الطريقي بداعي تنجيز الواقع وإيقاع المكلف في كلفة الواقع فلا دعوة لنفسه بما هو، ولذا ليس لهذا الأمر الطريقي بما هو مخالفة أو موافقة، لأن الغرض منه جعل الخبر منجزا للواقع لا جعل الداعي إلى العمل. نعم، هو موجب لدعوة الأمر الواقعي وكونه منجزا له بلحاظ أن مخالفة التكليف الذي قام