اجتماع المتنافيين من حيث التقدم والتأخر الطبعيين: فإن العلم له التأخر الطبعي عن ذات متعلقه تأخر العارض عن معروضه، ولا تأخر لمعروضه عنه، وحقيقة الحكم لها التأخر الطبعي عن حقيقة العلم تأخر المشروط عن شرطه، لكنه لا تأخر للعلم عن حقيقة الحكم بل عن ماهية المقومة له (1) في أفق النفس، فلم يلزم خلف ولا اجتماع المتنافيين.
ولا يخفى عليك أن الشرط وإن كان حقيقة العلم المطابق للواقع بحيث يكون المعلوم صورة شخص الحكم لا صورة مثله، إلا أنه لا توقف للمعلوم بالذات على المعلوم بالعرض، فلا دور بالواسطة، والمفروض هنا تحقق الحكم حال تحقق العلم، لأن الشرطية لا تقتضي إلا تحقق العلم المطابق، سواء كان مطابقه مقارنا له زمانا أو سابقا عليه أو لاحقا.
ومما مر يندفع الدور بتقريب آخر هو أن العلم موضوع الحكم لا متعلقه المطلوب به والموضوع لا بد من أن يكون مفروض الثبوت، فيلزم فرض ثبوت الشئ قبل ثبوته، وهو ملاك الدور المحال، ويندفع: بأن مقتضاه فرض ثبوت العلم لا فرض ثبوت المعلوم، وثبوت العلم لا يقتضي ثبوت المعلوم بالعرض كما عرفت، مع أن ثبوت الشئ فرضا غير ثبوته التحقيقي، فلا يلزم من فرض ثبوت الشئ هنا ثبوت الشئ قبل ثبوت نفسه، فلا مانع من توقف ثبوته التحقيقي على ثبوته الفرضي.
نعم، يمكن فرض الخلف من وجه آخر، وهو أن فرض تعليق الوجوب على العلم به هو فرض عدم الوجوب لطبيعي للصلاة مثلا، وفرض نفس القيد وهو العلم بوجود الصلاة هو فرض تعلق الوجوب بطبيعي الصلاة.
لا يقال: هذا إذا كان العلم قيدا للواجب وأما إذا كان الواجب ذات الحصة الملازمة للعلم، فالوجوب متعلق بذات الصلاة بحيث لا يتعدى إلى ما لا يلازم العلم.
لأنا نقول: طبيعي الصلاة لا يتخصص بالعلم بالوجوب والجهل به، بل الواجب بها هو واجب يتخصص بالمعلوم والمجهول، وفرض العلم بوجوب