بوجود المصلحة والمفسدة، لوضوح أن لكل أمر غرضا في إتيان المأمور به وإن كان جزافا ويلزم على العبد اتيان المأمور به على نحو يحصل غرض المولى "، انتهى.
أقول: مبنى الأشاعرة على نفي الغايات الذاتية والعرضية في أفعاله تعالى نظرا إلى إمكان إرادة الجزافية تمسكا منهم ببعض الأمثلة الجزئية المذكورة في الكتب الكلامية بل الأصولية أيضا. غاية الامر أن غاية فعله تعالى - على القول بها حيث إنه تعالى حكيم - هي المصالح والمفاسد، فالأشاعرة يدعون أن الإرادة علة للفعل ومخصصة له فلا يلزم الترجح بلا مرجح إلا أن الإرادة الجزافية - أي بلا جهة أخرى - موجبة لها ممكنة لا أن الإرادة بغرض غير عقلائي أو غير المصلحة محل الكلام. ومنه تعرف أن الغرض لا يوصف بالجزاف بل بكونه غير عقلائي، بل الموصوف به هي الإرادة، أي الإرادة بلا جهة موجبة لها. وأما تحقيق امتناع الإرادة الجزافية وحصر الجهة الموجبة لها من الشارع في المصالح والمفاسد وامتناع الإرادة بلا فائدة في المراد، وامتناع التكليف الحقيقي بالإضافة (1) ما لا غرض فيه فيحتاج إلى بسط في الكلام ربما لا يناسب المقام، ومجمله: أن الفعل وإن تخصص بالإرادة وكان معلولا لها فلا يلزم الترجح بلا مرجح في الفعل، إلا أن تخصص إرادة هذا الفعل دون إرادة الفعل الاخر المساوي له بالوقوع يحتاج إلى جهة مخصصة، وإلا لزم التخصص بلا مخصص المساوق للمعلول بلا علة في نفس الإرادة. كما أن نسبة (2) الفاعل وفاعليته إلى كل من الإرادتين - بناء على أنها من أفعاله لا من كيفياته - على السوية، فاختصاص فاعليته بإحديهما دون الأخرى بلا مخصص، فأما بإرادة أخرى وهكذا فيتسلسل أو بهذه الإرادة فيدور. وحيث إن الإرادة لا بدلها من جهة موجبة فهي منحصرة بالإضافة إليه تعالى بما هو حكيم في المصالح والمفاسد فمن حيث عدم الحجة المرجحة يستحيل تحقق الإرادة ومن حيث عدم موافقة الجهة للحكمة تكون قبيحة فيستحيل صدورها منه تعالى بالتبع. ومنه تعرف مورد الاستحالة ومورد القبح،