سقوط الحرمة التعيينية بالمضادة فلا علم بتكليف فعلى حتى يقال بأن سقوط لزوم الموافقة القطعية لا يقتضى سقوط حرمة المخالفة القطعية، إلا أن هذا البيان إنما يجدى فيما إذا كان الترخيص شرعيا لا فيما إذا كان عقليا أيضا، إذ الترخيص العقلي ليس من مقولة الحكم العقلي حتى يضاد الحرمة التعيينية الفعلية بل معناه حكم العقل بمعذورية المضطر في ارتكاب ما اضطر إليه إذا صادف الحرام الواقعي، فلا بد من ملاحظة منافاة هذا المعذورية العقلية مع الحرمة الفعلية من حيث الأثر، وأي منافاة بين المعذورية في ترك الموافقة القطعية وعدم المعذورية في المخالفة القطعية هذا، مضافا إلى أنه لو كان هناك تكليف شرعي بحفظ النفس عن الهلاك مثلا فهو تكليف تعييني لا ينافي بنفسه لحرمة شرب النجس تعيينا، إذ (1) المفروض عدم الاضطرار إلى شرب النجس بما هو، بل العقل لمكان عدم تميز الحرام عن الحلال يعذره في تطبيق الحفظ الواجب على كل من الفعلين فليس هناك أيضا إلا المعذورية العقلية. وقد مر عدم منافاتها للحرمة (2) الواقعية من حيث اثرها.
ثانيهما: ما مر منا مرارا (3) من أن المعذورية في ارتكاب أحدهما ورفع عقاب الواقع عند المصادفة ينافي بقاء عقاب الواقع على حاله حتى يحرم المخالفة القطعية، فان ضم غير الواقع إلى الواقع لا يحدث عقابا على الواقع، والمانع من تنجز التكليف هو الاضطرار لا اختيار ما يرتكبه في مقام الاضطرار حتى يعقل التكليف المتوسط المصطلح عليه عند بعضهم (4) تبعا للشيخ الأعظم - قده - بداهة أنه مأذون في الارتكاب سواء ارتكب أم لا.
فان قلت: هذا إذا كان الاضطرار سابقا على العلم الاجمالي، وأما مع منجزية العلم الاجمالي ولحوق الاضطرار فلا، وذلك لاحتمال بقاء التكليف المنجز بالنسبة إلى ما يرتكبه فيجب مراعاته عقلا.