واجبين فيتخير بين الالتزامين الواجبين ولذا قال - قده - بعد العبارة المتقدمة (1) " ومن هنا يبطل قياس ما نحن فيه " الخ.
ثانيهما: قياس المورد بالخبرين المتعارضين بتنقيح المناط وبيان الملاك بينهما، توضيحه أن نفس التكليف الواقعي وإن كان لا يقتضى عقلا الالتزام به أو بضده ودليل الالتزام بالأحكام من الخارج وإن كانت غير مقتضية للالتزام بها بعناوينها الواقعية، إلا أن الدليل على التخيير بين الخبرين دليل على التخيير بين الحكمين هنا، لان الملاك هناك إما رعاية الحكم الظاهري الأصولي وهي الحجية ورعاية الحكم الواقعي أولى، وإما لان الخبرين مع ما نحن فيه مشتركان في نفي الثالث، ففيما نحن فيه علما، وفي الخبرين علميا، وإما لان الخبرين لا خصوصية لهما إلا إحداث احتمال الحكمين واقعا وهو موجود فيما نحن فيه، إذ لا شأن للخبرين بناء على الطريقية المحضة إلا إحداث الاحتمال. والجواب، أن الحجية إما بمعنى لزوم الالتزام بمؤدى الخبر مقدمة للعمل لا تطبيق العمل على مقتضى الخبر كما يظهر من بعض كلمات الشيخ الأجل - قده - وإما بمعنى جعل الحكم المماثل لمؤدى الخبر بعنوان ينطبق على ذات الواجب مثلا، كعنوان تصديق العادل عملا، وإما بمعنى تنجيز الواقع بالخبر وعلى أي حال فالقياس مع الفارق.
أما الحجية بالمعنى الأول: فايجاب الالتزام بمؤدى الخبر منبعث عن مصلحة في نفس الالتزام إذا كان ايجاب الالتزام حقيقيا لا كنائيا، فهناك مصلحتان مقتضيتان لإيجابين متعلقين بالالتزام، وحيث لا قدرة على امتثال هذين الواجبين المنبعثين عن مقتضيين فلا محالة يحكم العقل بالتخيير بينهما كسائر الواجبات المتزاحمة، وليس فيما نحن فيه إلا مصلحة مقتضية للوجوب الواقعي أو مفسدة مقتضية للتحريم الواقعي، ولا موجب إلا لالتزام واحد بالمقدار الواصل وهو طبيعي الالزام.
نعم، أصل الحجية بهذا المعنى محل الاشكال، إذ الالتزام بمؤدى الخبر من