له وجود نفسي له لا رابطي فتدبر جيدا فإنه حقيق به.
وأما عدم القابلية للجعل منه تعالى بما هو شارع، فالجعل المعقول منه من حيث هو شارع هو التصرف في الحكم، حيث إن حيثية الشارعية غير حيثية الجاعلية. وحينئذ نقول إن الحكم المجعول ثانيا - سواء كان موافقا لما تعلق به القطع أو مخالفا له - يوجب اجتماع المثلين في الأول واجتماع الضدين أو المتناقضين في الثاني في نظر القاطع وإن لم يوجبهما في الواقع، وكفى به مانعا، لعدم تمكن المكلف من تصديقه بعد تصديقه بمثله أو ضده أو نقيضه.
فلا يعقل من المولى حينئذ البعث والزجر، لأنهما لجعل الداعي والمفروض استحالته في نظر المكلف، مضافا إلى أنه إذن في التجري في صورة المخالفة وهو كالإذن في المعصية الواقعية قبيح عقلا، بل التحقيق: أن حديث التضاد والتماثل أجنبي عمن نحن فيه، لما فصلناه في مسألة اجتماع الأمر والنهي (1) أن الحكم - سواء كان بمعنى الإرادة والكراهة أو البعث والزجر الاعتباريين - ليس فيه تضاد وتماثل، فإنهما من صفات الأحوال الخارجية للموجودات الخارجية، فراجع، بل المانع من اجتماع البعثين إما صدور الكثير عن الواحد لو انبعث البعثان المستقلان عن داع واحد، أو صدور الواحد عن الكثير لو انبعثا عن داعيين، فإن الفعل الواحد عند انقياد المكلف لمولاه لو صدر عن بعثين مستقلين لزم صدور الواحد عن الكثير كما أن صدور المقتضي للبعث (2) والزجر لازمه اجتماع المتناقضين فيلغو البعث بداعي إيجاد الفعل والزجر بداعي تركه.
وأما النقض بالمنع عن الظن القياسي فغير وارد فإن الإشكال فيه، تارة من حيث إن الظن بالحكم الفعلي مع الترخيص في خلافه فعلا يوجب الظن باجتماع النقيضين أو الضدين، والظن بغيره وإن صح المنع عنه إلا أن القطع به أيضا كذلك، وأخرى من حيث إن العقل مستقل بعد الانسداد بمنجزية الظن بما هو ظن فإذا صح الترخيص في مخالفته شرعا صح في القطع الذي يستقل العقل