واما لا اشتغال، فتدبر جيدا.
والتحقيق ان حقيقة البعث مثلا هو الانشاء بداعي جعل الداعي ولا يكون هذا الانشاء الخاص داعيا الا بوجوده العلمي الذي لا يعقل الدعوة منه الا في موطن النفس، لا بوجوده الواقعي الغير الواصل، وكمالا يعقل دعوة الامر لوجوده الواقعي كذلك لا يعقل دعوته إلى امر غير حاضر في أفق النفس حتى يتحقق منه الدعوة إليه في موطن الدعوة وفى محل انبعاث الشوق إليه، وهكذا بالإضافة إلى متعلق فعل المكلف كالماء والخمر والنجس.
فان حضور هذه المتعلقات أيضا في البعث إلى الشرب أو الزجر عنه في فعلية الباعثية والزاجرية لازم عقلا، وهكذا الامر بالإضافة إلى حركة العضلات بالقبض والبسط نحو موضوع خارجي فإنه لا يتحرك العضلات نحو هذا الموضوع دون غيره جزافا بل بسبب انطباق ذلك المتعلق الكلى على الجزئي في وجدان العقل لا في الخارج.
فانتهاء امر دعوة البعث والزجر إلى ما تحرك نحوه العضلات قبضا وبسطا خارجا يقتضى حضور نفس البعث والزجر ومتعلقهما وما يضاف إليه المتعلق عنوانا ومعنونا في وجدان العقل بحيث لو اختلت إحدى هذه المقدمات لم يعقل الدعوة، فلا يعقل جعل الداعي بالفعل، وهذا هو السر في اشتراط التكليف بالقدرة أيضا فان نسبة القدرة إلى الإرادة نسبة النقص إلى الكمال والقوة إلى الفعل والامكان إلى الوجوب، فإذا لم يكن الشئ مقدورا لم يخرج الفعل من حد القوة إلى الفعل بالإرادة حتى يعقل جعل الداعي المحصل للإرادة.
ولا يخفى عليك ان الغرض من الانشاء بداعي جعل الداعي حيث إنه جعله بنفسه داعيا على أي تقدير فلا محالة يكون بوجوده الواصل حقيقة داعيا، لما مر (1) سابقا من أن المعلول الفعلي لا ينبعث عن علة تقديرية بل عن علة