فالحركة نحو الفعل لا يعقل استنادها إلى الامر على تقدير ثبوته بل لا بد من استناده (1) إلى شئ محقق، وليس في البين الا احتمال الامر فإنه شئ فعلى، فلو صار الفعل قربيا فإنما يصير به لا بالامر على تقدير ثبوته، وهل هو الا الانقياد؟ لا انه إطاعة تارة وانقياد أخرى.
قلت: الامر بوجوده الواقعي لا يكون محركا ابدا، ضرورة ان مبدء الحركة الاختيارية هو الشوق النفساني، فلا بد له من علة واقعة في أفق الشوق النفساني فلا بد من كون الامر بوجوده الحاضر للنفس داعيا (2) ومحركا دائما، وكما أن الامر الحاضر للنفس المقترن للتصديق الجزمي قابل للتأثير في حدوث الشوق كذلك الامر الحاضر المقترن بالتصديق الظني أو الاحتمالي، فإذا كان التصديق القطعي موافقا للواقع كانت الصورة الحاضرة من الامر صورة شخصه، فينسب الدعوة بالذات إلى الصورة، وبالعرض إلى مطابقها الخارجي، وإذا لم يكن التصديق القطعي موافقا للواقع كانت الصورة الحاضرة صورة مثله المفروض، فلا شئ في الخارج حتى تنسب إليه الدعوة بالعرض فيكون انقيادا محضا لا امتثالا وإطاعة للامر وانبعاثا عنه، فكذا الامر المظنون أو المحتمل، فالامر المظنون أو المحتمل هو الداعي وهو بهذه الصفة فعلى في هذه المرتبة، فان وافق الواقع نسب إليه الدعوة وكان انبعاثا عنه وامتثالا له بالعرض، والا فلا، بل كان محض الانقياد كما في صورة القطع طابق النعل بالنعل. ومنه علم الوجه في اختيار الشق الثاني من الشقين المتقدمين في عبادية العبادة، ولا حقيقة للامتثال المقرب عقلا الا الانبعاث ببعث المولى وقد عرفت كيفيت الانبعاث.