مفسدته في قبح الاقدام عليه مستشهدا بقبح الاخبار بما لا يعلم كقبح الإخبار بما علم عدمه والقياس بلا وجه، لان القبيح عقلا في باب الكذب هو الكذب المخبري دون الخبري لاستحالة إناطة استحقاق الذم عند العقلاء بالخارج عن الاختيار.
ومن الواضح أن القول بغير علم كالقول بما علم عدمه من حيث مناط القبح وهو عدم العلم الوجداني بالمخبر به فالقول بغير علم بحسب اعتقاد المخبر قول بغير الواقع بحسب اعتقاده، إذ لا واقع للموجود في اعتقاد المخبر إلا ظرف وجدانه وهو معدوم فيه قطعا. واما حكم العقل بدفع المفسدة المحتملة فقد عرفت سابقا انه إن كان الحكم العقلي بملاك التحسين والتقبيح الفعليين فهو مجد في ترتب الأثر المترقب من الحجية والا فلا.
ومن المعلوم أن المفسدة ليست ضررا كما عرفت وعلى فرضه ليست داخلة تحت الكبرى العقلية بملاك التحسين والتقبيح.
وأما وجوب دفع المفسدة بملاحظة وجوب تحصيل الغرض وحرمة تفويت الغرض ونقضه، ففيه: أن الغرض الواقعي لا يجب تحصيله عقلا ولا يحرم نقضه فحال الغرض الواقعي حال البعث والزجر المنبعثين عنه واقعا فكما أن مخالفة العبث الذي لا حجة عليه ليست ظلما يستحق عليه الذم والعقاب كذلك عدم تحصيل الغرض الواقعي ونقضه فإنه ما لم يقم حجة عليه لا يكن ظلما مذموما.
بل التحقيق: أن القطع بالمفسدة والمصلحة الواقعيتين كذلك، لما مر أنهما من قبيل المقتضى للبعث والزجر لا العلة التامة لهما، ومع احتمال المفسدة الغالبة في البعث والزجر لا تكون المصلحة والمفسدة غرضا ملزما حتى يكون القطع بهما قطعا بالغرض الملزم ليجب تحصيله ويحرم نقضه، وقد مر تحقيقه في أوائل مباحث القطع (1) فراجع.