يطلب فيه الجزم به كما في أصول العقائد والمعارف اليقينية بناء على اعتبار اليقين فيها دون مجرد عقد القلب والبناء على ثبوتها، فمثله لا يعقل الجزم بثبوته إلا مع الجزم بإمكانه، فلا يجامع احتمال الاستحالة.
وأخرى، يطلب منه الجري على وفقه والعمل على طبقه دون الجزم بتحققه كالحكم العملي. ومنه التعبد بالظن فإنه لا يعتبر فيه الجزم بثبوته لئلا يجامع احتمال استحالته، فمثله يكفي فيه مجرد وجود الحجة على ثبوته، فالدليل المتكفل لحجية الخبر مثلا - سواء كان ظاهر الكتاب أو الأخبار المتواترة معنى، أو سيرة العقلاء مع عدم ردع الشارع عنها - يكون حجة على حجية الخبر من دون منافاة لاحتمال الاستحالة.
إذ الحجة لا يزاحمها إلا الحجة، واحتمال الاستحالة ليس بحجة فاتضح أن مستند الكفاية (1) ليست القاعدة الموروثة عن الشيخ الرئيس (2) حتى يقال إن الغرض مجرد عدم الإنكار دون الاعتقاد، كما أنه اتضح أن وجه الكفاية ليس حكما جديدا من العقلاء في الحكم بالإمكان ما لم يقم في الوجدان على استحالته برهان، كما هو ظاهر شيخنا العلامة الأنصاري (3) - قده - وبعض أجلة المعاصرين (4) - ره - لما يرد عليه ما أفاده المصنف - قده - في المتن، بل الوجه ما مر من كفاية وجود الحجة على حجية الخبر مثلا.
حيث لا يطلب من الحجية اليقين بها، بل الجري على وفقها، كما أنه ظهر مما ذكرنا أن هذا الوجه مختص بما إذا كان المورد من العمليات دون الاعتقاديات، فتصحيح ما صدر عن بعض المتكلمين من التمسك بأصالة الإمكان لتصديق ما ورد في المعاد الجسماني وأشباهه بمثل ما ذكرنا، غير صحيح، إذ المطلوب فيه الاعتقاد واليقين دون العمل كي يكون ظهور حجة فيه وكي لا يمنع عن حجية